يتمتع أرخبيل سقطرى الواقع أمام القارة الإفريقية بإمتلاكه لمجموعة حيوانية و نباتية نادرة مع امتلاكه لنصيب كبير من المستوطنات المتنوعة التي لم يتم استكشافها بعد ولم تصل إليها اليد البشرية حتى الآن. وهناك امل من خلال برنامج الحماية و التطوير أن يُدرأ ذلك الخطر مستقبلاً عنها ولذلك يجد المرء الطامح إلى ذلك نفسه في سباق مع الزمن. بإمكان المرء أن يطيل النظر من طائرة البوينج200- 737 إلى المحيط الهندي. ونحن قادمون من عدن اقتربنا من هدف رحلتنا وهي أكبر جزيرة والتي مُنحت اسم أرخبيل سقطرى. فبعد فترة وجيزة بدأت تظهر ملامح الطريق الشمالية الغربية المؤدية إلى الجزيرة من بين الضباب. وعندما يقترب المرء من السواحل وكأنه يقترب من قلنسيه بساحلها الثالوثي و طابع البحيره الطبيعية الساحلية. بعد ذلك حلقنا على امتداد الجرف الصخري للشاطئ الشمالي للجزيرة. وقبل أن تهبط الطائرة على ممر الانزلاق الجديد في مطار موري الذي يقع على بعد 20 كيلو متر غرباً من عاصمة الجزيرة حديبو اتضح لنا أول منظر لصخور الجرانيت البرية لمرتفعات الهجيرالرئيسية المصمتة. كان الوصول إلى الجزيرة التي تقع على بعد 200 كيلو متر شاملاً من الطرف الشمالي للصومال قبل أعوام قليلة صعباً للغاية، حيث كانت الرحلات الجوية غير متوفرة إلى الجزيرة ولم تكن سوى الطائرات الصغيرة تتمكن من الهبوط على مطار موري. وكانت الجزيرة تبقى لأشهر عديدة منقطعة عن العالم خلال عواصف الصيف الموسمية. في الجزيرة حيوانات دخيلة: تتبع مجموعة الجزر جغرافياً للجمهورية اليمنية و تشكل جيولوجياً امتداداً للقرن الإفريقي لكن بالطبع قبل 15 مليون عام لم يكن هناك أي ربط جيولوجي مع جزيرة سقطرى وكانت مستقلة تماماً. ويدين الأرخبيل المكون من أربع جزر لذلك العزل طويل المدة بتمتعها بذلك التنوع النباتي والحيواني الفريد من نوعه ولذلك وصفت بأنها الأرخبيل الرئيسي في المحيط الهندي. وحوالي 30% من كل أنواع النباتات الموصوفة تشكل مستوطنات نباتية في الجزيرة ولا توجد في أي مكان آخر في العالم. والعالم الحيواني في الجزيرة أيضا مليء بالمستوطنات. لكن الجزيرة تفتقر إلى الحيوانات التي لم تكن موجودة إلا فيها، حيث أن كافة الحيوانات التي هناك هي حيوانات دخيلة. والحيوانات الداجنة مثل الماعز والخراف والبقر و الجمال وإلى جانبها قط الزباد و الأرانب يعود تاريخ وجودها على الجزيرة إلى 3000 عام. وكانت سقطرى بسبب موقعها الاستراتيجي وموقعها المناسب عند مدخل خليج عدن وقبل كل شيء ثرائها بأشجارالبخور و المُر والصبر.. كانت سقطرى التي يبلغ طولها 135 كيلومتر وعرضها 40 كيلومتر هدفاً يقصد إليه الجميع. فقد سبق وأن أرسلت الأسرة الفرعونية الثالثة عشرة بعثة استكشافية إلى الجزيرة وكان الإغريق بقيادة إلكسندر الكبير هم أول من أنشأ الطرق التجارية الثابتة إلى سقطرى وهم من حرض المستوطنين الهنود، الذين استقروا هناك. وبغض النظر عن ذلك التاريخ المليء بالتقلبات و الوضعية الجغرافية المعزولة للأرخبيل إلا أنه لا أحد يندهش من تأخر عمليات البحث المنتظم فيه. مع أن باحثي طبيعة مثل الإنجليزي إسحاق بالفور والألمانيين جورج شفاينفورت و إيميل ريبيك كانوا قد جمعوا منذ القرن التاسع عشر معلومات جيولوجية بيولوجية شاملة عن الأرخبيل. لكن أرخبيل سقطرى أصبح أكثر جذباً للعلماء من كافة أنحاء العالم بعد الانفتاح السياسي في سنوات التسعينات. وأعلنتها منظمة اليونيسكو عام 2003 كواحدة من عشر تجمعات جزر على الأرض كمخزون طبيعي وإنساني على مستوى العالم. وهناك برنامج حماية طموح من شأنه أن يحفظ تلك الجزيرة كمحمية طبيعية للأجيال القادمة. دم الأخوين من الشجر: معظم النباتات المتأقلمة مع جو الجزيرة الجاف لها عدة أوجه. فالنباتات التي تنمو على الشواطئ هي عبارة عن شجيرات خفيفة. لكن من يمشي في طُرق الهبوط الوعرة في مرتفعات صخور الجرانيت يندهش من وجود عالم غريب، ففي المنحدرات الصخرية يتجمع الخيار و حبات القرع ذات اللون الأحمر الفاتح ذات الجذور المنتفخة التي تذكرنا باللوحات الأسطورية. وهناك كثير من النباتات التي لا توجد إلا في سقطرى بإمكانها التأقلم مع المناخ الحار والعواصف حيث تحتفظ بالمياه داخلها بطريقة خاصة. وعند التوغل أكثر في أوساط الجزيرة تتضح العلامات الحقيقة لها أكثر، ففيها تنمو أشجار دم الأخوين العجيبة التي يصل ارتفاعها إلى ثمانية أمتار وفروعها شبيهة بزهور الفطر. وهي تنتمي في علم النبات إلى نباتات المناطق المدارية الحارة و الأشجار القريبة لها توجد في جزر الكناري و شمال إفريقيا. وسميت بشجر دم الأخوين نظراً للمادة الصمغية ذات اللون الأحمر التي تخرج منها وكما تقول الأسطورة فقط تكونت تلك المادة من القتال المميت الذي دار بين الفيلة والتنين. وأصبحت تلك المادة منتج يتم تصديره للخارج. لكن اليوم أصبح تداول تلك المادة محليا وتستخدم في صناعة الغراء و مواد علاجية. ويقود الطريق المليء بالحصى من بين أشجار دم الأخوين و أشجار البخور إلى وادي النخيل الضيق. وفي جوانب الجبل السامق تبرز مئات من أشجار القرع، التي تبدو وكأنها قد نمت من الصخر مباشرة. وترى الحمام يتهدل على الأشجار وعلى البرك الصغيرة ترى فراشات لها أربعة أجنحة شفافة تتأرجح زاهية بألوانها البهية. والأسقف الصخرية للوادي العميق الذي يسيل في الجهة الجنوبية للجزيرة تسقى من مياه الأمطار الموسمية المتقطعة. إلى جانب ذلك تغمر الغمام التي تغطي الجبال الجزيرة بالطل الليلي الرائع الذي يشعر به زوار الجزيرة عندما يستيقظون في الصباح وهم يزحفون خارجين من أكياس النوم. وذلك الطل هو مايروي النباتات المتسلقة التي تملأ الجزيرة و نبات الأوركاديا. مأوى الصقور الضخمة: بغض النظر عن تربية الماعز واحتراف مهنة الصيد وزراعة النخيل الذي يعتبر أساس الحياة لسكان الجزيرة البالغ عددهم اليوم 40000 ساكن، تضم بيئة الجزيرة عالم حيوان يعتبر أقل لفتاً للانتباه من عالم النبات هناك. وتشكل الطيور في ذلك العالم نسبة 40%. ثلث تلك النسبة حيوانات لا توجد إلا في سقطرى وهي غير مرئية تقريباً. حيث لا يُرى منها إلا الصقور التي تجوب سماء الجزيرة وذهاباًوايابا بأجنحتها العريضة ذات المتر والنصف. لكن تلك الصقور قدمت من إفريقيا ولها شعبية كبيرة عند السقطريين حيث يسمونها بالطيور المنظفة لأنها تقضي على المخلفات من كل الأنواع. لكن حيوانات مثل الفقمة والتماسيح والتي ورد ذكرها في تقارير البحارة لم يعد لها أي أثر. و مستوطنات الزواحف تشكل نسبة 90% حيث يوجد في الجزيرة 13 نوع من زواحف (الجيكوز) التي يخاف منها السقطريون لأنهم يعتقدون بأنها من الممكن أن تشفط دموعهم في الليل عن طريق أقدامها اللاصقة. عندما يعود الزائر من جولة طويلة عبر المرتفعات الخالية من المياه ويلقي بنظرة على الشاطئ الجنوبي يتخيل نفسه وكأنه أحد أبطال قصة خرافية. فأمام القائم العمودي للجرف الصخري تختفي مساحات كبيرة محاطة بالرمال شديدة البياض ومليئة بأشجار النخيل. وفي الليل يكتظ المكان بالسرطانات الكبيرة البيضاء التي تعيش في تجويفات مخروطيه يصل ارتفاعها من 20 إلى 30 سنتيمتر على الرمال. سُقطرى.. الجزيرة النائية التي سميت باللغة السنسكريتية - أقدم لغة عربية - بجزيرة الحظ، من منطلق أنها مأوى لكثير من المخلوقات النادرة و يجد فيها المرء على الدوام كثير من المفاجئات. فقبل أعوام قليلة أُكتشف في المغارات التي لم تكتشف بالصورة الحقيقية مجموعات حيوانية غريبة ولا توجد إلا في الجزيرة. وبمساعدة الصخور الصاعدة تمكن الفريق الاستكشافي لمعهد الجيولوجيا التابع لجامعة بيرن السويسرية بقيادة ألبرت ماتر تم التمكن من الإطلاع على تاريخ المناخ في المنطقة وتمكن من التوصل إلى أن الجزيرة كانت في ال 5000 عام الماضية أكثر رطوبة من ذي قبل. حتى أنه في واحدة من المغارات عُثر قبل عامين على مخطوطات باللغة السورية القديمة مكتوبة على ألواح من الخشب تعود إلى القرن الثالث بعد الميلاد. إضافة إلى ذلك عُثر على مخطوطات باللغة الهندية و الإثيوبية و العربية القديمة. ودعا ذلك التنوع الثقافي باحث الأديان السويسري إرنست أكسل إلى القول بأن سقطرى كانت في ذلك الوقت تمثل ملتقىً تجارياً للمحيط الهندي. صراع ما بين التطوير والطبيعة: حتى الآن يتمتع أرخبيل سقطرى بطبيعة سليمة نسبياً. وذلك يعود إلى الوضعية المعزولة هذا من جهة ومن الجهة الأخرى للأساليب التقليدية للسكان التي تعمل على المحافظة على الموارد الطبيعية فيها. و القوانين غير المكتوبة فيما يخص الصيد البري والبحري و قطع الأشجار مازلت تتبع حتى يومنا هذا إلى حد بعيد في الأماكن النائية لكن في التعامل الجيد مع الطبيعة في الأماكن المكتضة بالسكان والقريبة من الشواطئ بدأ يقل أكثر فأكثر. وليس النقل من المساحات القارية إلى تلك المناطق هو المسئول على ذلك، بل أن أجزاء كبيرة من الجزيرة امتلأت بمراعي الماعز وبالتالي أصبح من الصعب نمو البراعم الجديدة. وأشجار دم الأخوين بدأت تقل بصورة ملحوظة، حيث أن نمو بعض أنواعها أص بح مقتصراً على مناطق صخرية من الصعب الوصول إليها. وقد أدركت الحكومة اليمنية الصراع ما بين التطويروالطبيعة في وقت مبكر جداً وبدعم من الأممالمتحدة عام 1996 دعت لتخطيط برنامج تطوير دائم لا يؤثر على الطبيعة في البلد وتم دراسة (خطة تحكمية) تعمل على ربط رغبات مواطني الجزيرة الفقراء بحماية الطبيعة. وقوام تلك الخطة هو إعداد نظام حماية الذي إلى جانب تحويل 72 % من مساحة الجزيرة إلى متنزه عام و مناطق صغيرة محمية بشكل صارم يهدف إلى تعيين المناطق المفيدة اقتصادياً والتي تحتوي على أشجار استوائية تنمو في المستنقعات المالحة وتخرج من أغصانها جذور جديدة.إضافة إلى ذلك العمل على ربط الجزيرة بشبكة من الطرقات و الاتصالات وتوسيع مشروع المياه وإنشاء المدارس والمستشفيات. وفي إطار مشروع الحفاظ على سقطرى وتنميتها تم العمل على تأهيل كادر من أهالي الجزيرة للإرشاد السياحي في الجزيرة وتم إفتتاح مكتب السياحة الاقتصادية. وبعيداً عن ذلك المشروع الكبير جهزت مؤسسة خدمات المجتمع العالمية الصغيرة بوسائل متواضعة مدارس لتعليم الكمبيوتر واللغة الإنجليزية لإعداد الشباب للعمل في مجال السياحة. فسامي، واحد من خريجي المدرسة البالغ من العمر 18 عاماً قد أظهر كفاءته في هذا المجال حينما عمل كقائد لنا في رحلتنا عبر الجزيرة. صحيفة: نويه تسورشر السويسرية