أغلال الاحتلال تتهاوى من حول عنق مدن قطاع غزة بعد (38) عاماً ، رسخ فيه مليون ونصف مليون فلسطيني في بقعة صغيرة من الأرض وسط قيود احتلال صارم ، أذاق الشعب الفلسطيني ويلات العذاب والهوان ، ليسلم ، ويستسلم ، تحت وطأة ضربات مؤلمة تعرض لها الفلسطينيون على مدار سنوات الاحتلال ، لكنه ما هان طوال كل هذه السنوات ، ليرفع في النهاية الشعب الفلسطيني راية التحرير والانتصار في بداية المشوار ، وليرفع الاحتلال راية الهزيمة والقرار بالجلاء . سيحفظ الفلسطينيون تاريخ الخامس عشر من آب كما حفظوا تواريخ حزيران 1967م، فهو اليوم الذي بدأت تشهد فيه غزة أولى مراحل جلاء الاحتلال، وتنسم حريتهم بعد ثمانية وثلاثين عاما من الاحتلال للأراضي الفلسطينية المحتلة.فمع ساعات الفجر الأولى بدأ جيش الاحتلال تنفيذ عملية فك الارتباط (الانسحاب). فقد توجه الآلاف من جنود الجيش وعناصر الشرطة إلى داخل (21) مستوطنة منتشرة في قطاع غزة ، ليبلغوا سكان المستوطنات قرار المغادرة طواعية خلال (48) ساعة ، قبل أن يصبح تواجدهم غير قانوني ابتداءً من يوم الأربعاء القادم 17 آب بموجب قانون إخلاء وتعويض المستوطنين الذي صادق عليه الكنيست الإسرائيلي. وتذكر مصادر إسرائيلية أن (32) ألف جندي إسرائيلي إضافة إلى(10) آلاف شرطي إسرائيلي سيشاركوا في عملية إخلاء المستوطنين من المستوطنات بعد انتهاء الفترة المسموح لهم فيها الإخلاء طواعية . وتقدر مصادر متعددة أن نصف المستوطنين في قطاع غزة أخلوا في الأيام السابقة، فيما تقدر المصادر أن يخلي جزء من المستوطنين في اليومين القادمين، لتقتصر معارضة الإخلاء على بضعة مئات من المستوطنين. ولضمان سيطرة الجيش على الوضع داخل المستوطنات أغلق الجيش منذ منتصف الليل ، قطاع غزة وشمال الضفة الغربية، في وجه المستوطنين ،ومنعهم من الدخول إلى المستوطنات لإعاقة عملية الإخلاء. وقد أغلق جنود الاحتلال فجر اليوم معبر كيسوفيم شمال مدينة خان يونس جنوبي القطاع الذي يستخدمه المستوطنون وقوات الجيش للوصول إلى مستوطنات غوش قطيف الجاثمة غرب خان يونس، حيث وضع الجيش على الحاجز لافتات حمراء كتبت عليها بأحرف عبرية وانجليزية عبارة "قف الدخول إلى قطاع غزة والتواجد هناك ممنوع بقوة القانون." وبدأ جنود الجيش ،في وقت مبكر من صباح اليوم (الاثنين) بتوزيع أوامر الإخلاء لتسعة ألاف مستوطن يقيمون في (21) مستوطنة في قطاع غزة وأربع مستوطنات من بين (120) مستوطنة أقيمت في الضفة الغربية. وذكرت مصادر عسكرية أن القوات بدأت توزيع الأوامر في نيسانيت، شبه الخالية، وغاني طال ، فيما أغلقت خمس مستوطنات مداخلها في وجه قوات الجيش والشرطة لمنعها من الدخول إليها وتسليم أوامر الإخلاء (كفارداروم شرق دير البلح ، دوغيت شماله، عتصمونا في رفح، نافيه دكاليم ،و قطيف غرب خان يونس ،نتساريم جنوبغزة). فيما شوهدت عشرات الشاحنات الكبيرة تنقل أمتعة المستوطنين عبر حاجز كسوفيم إلى إسرائيل ، بينما تتحرك مئات الحافلات في اتجاه معاكس لنقل عشرات الآلاف من الجنود المشاركين في عملية الإخلاء. وكانت قوات الأمن الفلسطينية قد انتشرت مساء أمس قرب حدود المستوطنات في قطاع غزة تمهيدا لاستلامها بعد انسحاب الجيش منها الذي سينتهي خلال أسابيع قليلة . وفيما كان المسئولون الإسرائيليون يحذرون من قيام الفلسطينيين بأعمال نهب كبيرة داخل المستوطنات بعد انسحاب الجيش منها ، كانت المفارقة الصارخة بالأمس عندما عرضت القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي صوراً تظهر جنود الاحتلال وهم يسرقون الأمتعة والممتلكات من منازل المستوطنين المهجورة في مستوطنة (بيئات سديه)جنوبي قطاع غزة . واحتفاءً ببدء الاحتلال في الرحيل عن قطاع غزة ، احتفل الفلسطينيون طوال ساعات الليل بتحرر أول أرض فلسطينية من الاحتلال بشكل نهائي ، إذ، لن يرى فلسطينيو غزة أية جندي أو مستوطن في مدنهم بعد الرحيل النهائي للاحتلال عن أرض غزة .فقد انطلقت المسيرات في كل المدن والمخيمات والقرى في قطاع غزة ، واخذ التعبير عن الفرحة بالتحرر من أغلال الاحتلال وقيوده التي كسرت مع تسليم أول أمر بالإخلاء ، فمنهم من صلى شكراً لله على رحيل الاحتلال الذي اعتبروه نصراً للشعب الفلسطيني كله جاء عبر المقاومة ، ومنهم من خرج بمسيرات كبيرة جابت المدن الرئيسة ووصلت إلى حدود المستوطنات ، فيما تجري الاستعدادات لمزيد من احتفالات اكبر في قطاع غزة في الساعات القليلة القادمة من يوم جلاء الاحتلال وتحرر القطاع. سبانت