في وقت من أصعب أزمان العرب والخليج، وأكثرها تعقيداً ، وأقلها أملاً، تجتمع للكويت وأميرها سمو الشيخ صباح الأحمد الرئاستان: رئاسة القمة العربية ورئاسة القمة الخليجية. في الجسد العربي تتفشى كل أنواع الأمراض الخطيرة والعدوى الشديدة، صراعات قاتلة، ونزاعات مدمرة.. أمة تتدمر أو تدمر ذاتها، حتى تكاد تصبح أثراً بعد عين. وفي الأجواء الخليجية الأقرب، توتر وتباين، ووقفات نفس، ورؤى تختلف وتتعارض، وخصام سيتحول، إذا استمر، إلى شقاق وفصام. في هذه الرياح العاتية، يُلقى على كاهل شرّاع الدبلوماسية الكويتية مجدداً، وتحديداً على صانعها ومهندسها صباح الأحمد، أن يسعى لرأب التصدعات العربية والخليجية، لعل وعسى يوفق في تجنيب مركب العرب الارتطام والغرق. هذه الرياح العاتية والتداعيات العاصفة بأرجاء الإقليم، جعلت كل المشاركين في القمة العربية التي تنطلق غداً يعقدون الرهان على اتزان السياسة الكويتية وتوازنها، وعلى حكمة حكيم العرب الشيخ صباح الأحمد، القادر بثاقب الرؤية والحنكة على الوصول الى الحد الأدنى الضروري من التفاهم. إن مكانة القائد المخضرم، الذي يفخر به شعبه وأمته التي تقدر السياسة الثابتة التي تنتهجها الكويت في ظل المتغيرات المتسارعة، هي الأمل في عدم تعريض الأمة للمزيد من الآلام والمخاطر. وقد أخذت الكويت على عاتقها القيام بهذا المسعى النبيل، من دون أن تلتفت إلى مفاجأة تدني تمثيل بعض دول الخليج، والذي لن يعيق الكويت عن القيام بدورها في السعي لاحتواء ما يعانيه البيت الخليجي من مشاكل وحلها في الإطار الخليجي، وهو السعي المتوقع ان ينطلق بعد انتهاء القمة العربية. ومع أن الظروف استثنائية، والمتغيرات تكاد تكون أكبر من التوقعات، لكن الأمل بحكمة القادة في التوصل الى أرضية مشتركة للتفاهم والعودة إلى الطريق الصحيح - ولا نقول المصالحة الكاملة فهذه بعيدة المنال - لضمان بقاء البيت العربي. لا يختلف اثنان على ان الجامعة العربية بحاجة ماسة إلى «نفضة» بكل ما للكلمة من معنى، والأحوج أن نعمل على ترميم هذا البيت قبل أن ينهار فوق الجميع. الأزمة السورية المفتوحة على كل أبواب القتل والتدمير، هي الملف الأبرز، ومعها القضية الفلسطينية، ولبنان واليمن، وسائر الملفات الشائكة التي تكاد لا تحصى، لكن يبقى الخلاف الخليجي «غصة» أخرى بين شعوب «خليجنا واحد» والأمل في معالجة هذه الصفحة من خلال الأسرة الخليجية الواحدة. في هذه الأجواء المتلبدة، نقول من موقع الحرص والشراكة في المصير وواجب المصارحة: اذا كان الخليج محصناً حتى الآن، من «الربيع العربي» وفصوله المأساوية، بحكم خصوصية العلاقة التي تربط قادته بشعوبه، فإن الحقائق المؤلمة الواضحة تكشف أن خليجنا غير محصن من تداعيات هذا الربيع الدامي، الذي يحول دولاً مجاورة الى ساحات للقتل والتدمير، وينفث سمومه الطائفية المقيتة لتطول مجتمعاتنا، أو تفسد نسيجنا الاجتماعي، وتحوله إلى طوائف وقبائل تتقاتل وتستبيح دم بعضها، بتأثير وهم قاتل أن أحداً منها يستطيع ان يلغي الآخر، أو يُخضعه لسيطرته. الكويت تستضيف قادة العرب، ونعرف أن المنطق يفرض أجندته، فهذا الكم الهائل من المشاكل والانشقاقات لا يمكن أن يعالج في ليلة وضحاها، إلا أن ما نحتاجه، على الأقل، هو تشخيص موحّد لحجم المخاطر، وشعور مشترك بمعاناة شعوب تنزف ومدن تتدمَّر، ومخاطر شاخصة تهدد الجميع من دون استثناء، علَّنا نتمكن حينها من أن نهيئ أرضية للتفاهم، نبني عليها الآمال بحلول أو بشيء قريب منها. كلنا ثقة بأن أميرنا سيبذل كل الجهد الممكن والمتاح لتحقيق الهدف، وهذا أول مصادر تفاؤلنا.