انغمس في منطقة مكتظة بين الحشد متلمسا نهايته...طرق كتفه كتفها. -المعذرة ،قال لها مبتسما ومرتبكا ومشتتا. ردت عليه بابتسامة ظريفة. - أين طريقك؟ كان صيف يوليو وكان قد تجاوز شغف الرسم إلى العمل الحزبي. انسل ذراعها متأبطا ذراعه. وفي غفلة تاهت عنه وسط الحشد. وقف قبل اعوام امام بائع الملابس البالية ابتاع معطفا طويلا اسودا وقبعة سوداء قالت له: ادعى ايفا. قبل يدها منحنيا. واجاب بثقة: -ادولف . اختفت بعد ثوان .. تلقفتها الحافلة. تصنع امه الكعك قبل ذهابه المدرسة . وتدس بضع كعكات تلفها بقطعة قماش في حقيبته التي حاكتها من جلد الماعز. تقبل جبينه،وتكرر على مسامعه: -أدرس جيدا. يهز رأسه . لا يرغب في أحزانها. في وقت ما كان يتكسب من الرسوم،وبعد أن يحصل على المال يقضي النهار في التسكع أو القراءة. ابتسمت له الفتاة الشقراء ،حين عبرت ثانية وسط الحشد ، وانحنى مقبلا يدها ،ثم غابا وسط الحشد. مضيا معا ، وسط الحشد المتجمهر ليخطب خطبته الشهيرة . ورفعت ايفا يدها تقلده ،ثم انبهرت بانوثتها . في اعوامه المراهقة، مضى ادولف باكرا يحمل عدة الرسم و لوحات كان قد رسمها . ينتابه حدس يحاول اقصاءه ،موهبته الفذة لن تلقى الرفض مطلقا. حلم ان يكون فنانا عظيما. وامتلك مايؤهله ليغدو فنانا ،موهبة الرسم. وحتى فشله لم يحبطه، بعد أن خضع لاختبار القبول النهائي في معهد فيينا للفنون الجميلة. وفي المعهد لم يصدمه رفضهم رسوماته . قال له المدرس:انت غير مقبول. وتابع يفسر أسباب رفضهم له . - انها دون المستوى،نعتذر لك. رد ادولف في قرارة نفسه : -تقليديون واغبياء لم يكتشفوا عبقريتي الفنية. ثم غادر المعهد ،غير ابه برأيهم. بعد وفاة ووالده الفى نفسه وحيدا في معترك الحياة، فتى مراهق لايملك مايقيه شر الفاقه بعد أن تبخر المال الذي خلفه والده لذلك انتقل الى فيينا لكي يعمل ويحيا ويحقق امنيته في الرسم ،وكل عتاده إرادة صلبة وتصميم اكيد على مواجهة الظروف . ذهب إلى فيينا حين كان عمره الثامنة عشرة مستعينا بمال ترسله أمه ، حيث كان لديه آمال عريضة بأن يصبح فنانا عظيما. وتجنبا للمشاحنات الروتينية اليومية بين والده الصارم والمتحجر القلب وبينه الأشد عنادا، يجد نفسه مرغما على ممارسة أمر لا يحبه. على الرغم من صغر سنه كان لا يرى فائدة من ذهابه للتحصيل العلمي،ويرى ان معظم اساتذته يعانون من مشاكل معيشية ونفسية،يعيشون في دور مراقبة الله في أداء الأمانة. أستاذا واحدا فقط ترك عميق الأثر في حياته الاستاذ ليوبولد بويتش منذ أيام المدرسة الأولى لقد حبب أليه مادة التاريخ وكان استاذه يتوق إلى الوحدة الألمانية ويؤمن بها ويقول انه يحب جميع الألمان بغض النظر عن فئاتهم وأماكن تواجدهم. وكان يردد انه لابد ان يتحدوا سويا من منطلق الأخوة الحقيقية. فزرع في نفس ادولف الحماس والوطنية وكراهية حكام بلده الأصليين آل هايسبورج لانهم فقدوا حب الوطنية الألمانية. عاد والد ادولف ذات نهار ،عاد حزينا ومكتئبا وعلى غير العادة نادى ابنه دون أن يشهر عصاه وبلا حماس أذ فقد الأمل منه. جلس أدولف بالقرب منه على غير العادة . بصوت هادئ قال الأب . - ان حياة الموظف تضمن له معاشا مستقرا،وحتى يتحقق ذلك على المرء إنهاء تعليمه والا لن يجد وظيفة محترمة ،تضمن له معيشة مستقرة وربما سيضطر إلى العمل في اي أعمال شاقة. كان أدولف يسمع هذه النصيحة تقريبا كل مساء وصباح بصوت يملؤه الغضب ،غير أنه سمعها هذا النهار بنبرة حزينة . بدت نصيحة عامة ،بدت حكمة، وبدت وداع. كان والده قاسي القلب متحجر الفؤاد صلب كالحجر وكانت والدته هادئة ومطيعة ومكسورة الجناح. وكان يميل إلى والداته ويحميها ويدافع عنها . في وقت ما سيطر الحلم على قراره الدراسي، وكان يظن ان تحقيقه سيمنحه مالا كثيرا وشهرة واسعة . ولم يستطع اقناع والده بما يراه غير مجدي ولا نافع. اذ يرى الأب من منطقه الوظيفي في الجمارك، ان التعليم يحقق الوظيفة المحترمة. بيد ان الوظيفة لاتصنع فنانا عظيما كما يرى هتلر.. ولم يكن يعلم انه سيغدو زعيما لا فنانا ،ويقود العالم نحو الحرب العالمية الثانية.