بعد العملية الانتحارية في الحادي والعشرين من الشهر الماضي في ميدان السبعين والحواري الملحقة به والتي استهدفت التدريبات للعرض العسكري الذي كان مقرراً أن يقام في المكان نفسه في الثاني والعشرين من الشهر نفسه في ذكرى الوحدة بين شطري اليمن الشمالي والجنوبي، حدثت مذبحة حقيقية نالت من الضباط والجنود الذين كانوا يشاركون في التدريبات ونجا من المذبحة التي سقط فيها حوالى المئة قتيل و300 جريح وزير الدفاع اللواء الركن محمد ناصر محمد ورئيس هيئة الأركان اللواء الركن أحمد الأشول حيث كانا ضمن الحاضرين للتدريبات العسكرية. وقالت مصادر أمنية أنه بالإضافة إلى الانتحاري الذي فجر نفسه وأوقع المذبحة إن قوات الأمن اعتقلت عقب التفجير شخصين وبحوزتهما أحزمة ناسفة قبل أن يفجرا نفسيهما. وبحسب المعلومات الأولية فإن الحزام الناسف الذي كان فجره الانتحاري كان يحمل أكثر من 13 ألف شظية. ومع ذلك وفي اليوم التالي على المذبحة أقيم العرض العسكري بمناسبة الوحدة اليمنية في كلية الطيران في صنعاء. أما علي صعيد الحرب الدائرة في محافظة أبين الجنوبية والتي يقوم بأعمالها 20 ألف جندي وضابط وبعد تحريرهم لمدينة لودر يواصل الجيش اليمني وخبراء أميركيين يقودون المعارك هجماتهم على مواقع وتحصينات «القاعدة» غرب مدينة جعار والمناطق المحيطة بها في محافظة أبين. وعلى صعيد التطورات عند كتابة هذه السطور على جبهة مدينة زنجبار عاصمة المحافظة، أكدت المصادر أن القوات الحكومية تقوم بتمشيط أطراف المدينة من جيوب المسلحين المتشددين، حتى يتسنى لها إقتحام المدينة واستعادتها من المسلحين من تنظيم القاعدة الذين سيطروا عليها في أواخر شهر أيار/مايو 2011، أثناء الانتفاضة ضد حكم الرئيس السابق علي عبد الله صالح. وأكدت مصادر مأذونة في مناطق المواجهات نزحوا إلى أماكن آمنة، لكنهم يعانون نقصاً حاداً في المواد التموينية والاغاثة والعلاج. وإذا ما نظر المرء من بعيد إلى اليمن، يعتقد أن ملفها العويص هو الملف الأمني فقط، بينما في الواقع أن الملف الاقتصادي والاجتماعي والسياسي انتفاخهم يعادل الملف الأمني الذي يحتاج إلى عقود كي ينصلح حاله هذا إذا هدأت الأحوال السياسية وزال الانقسام الحالي بين القوات المسلحة التي ما زالت منقسمة بين الرئيس السابق علي عبد الله صالح والرئيس التوافقي للمرحلة الانتقالية عبد ربه هادي منصور. التفجير الانتحاري المذبحة ومعارك محافظة أبين ضد القاعدة «كوم» أمنياً وما يدور في مدينة أرحب القريبة من المطار من صراع على النفود لأحكام القبضة على اليمن الجديد «كوم» آخر. فأرحب الوادي الوعر الجميل التي تبعد 15 ميلاً شمال صنعاء وتحيط به الجبال من كل جانب، من هذا الوادي يستنزف النزاع بين الفصائل اليمنية الموارد أكثر من الحرب ضد تنظيم القاعدة والتركيز حالياً على هذه المنطقة، يظهر لنا كيف سيكون الحال للنظام الجديد في اليمن خلال المرحلة الانتقالية، لأنه بالفعل يمثل اختبار لسلطة الرئيس اليمني الحالي عبد ربه هادي منصور وقدرته على الأخذ باليمن إلى مرحلة جديدة بعد حكم الرئيس السابق علي عبد الله صالح لمدة 33 سنة من الحكم الاستبدادي الذي لعب حتى بزعماء القبائل، فقسمهم شيعاً يقرّب بعضهم من الحكم في مرحلة، ويهملهم في مرحلة تالية مقرباً أخصامهم. جميع المراقبين السياسيين والدبلوماسيين في اليمن وخارجها يجمعون على أن التحدي الكبير الذي يواجه الرئيس عبد ربه هادي منصور، يتمثل في اعادة اصلاح القوات المسلحة اليمنية الممزقة بين موالين للرئيس السابق علي عبد الله صالح وبين الرئيس الجديد هادي. ورغم أن الرئيس هادي وفي هذه المرحلة البسيطة من 21 شباط/ فبراير الماضي وحتى تاريخه أحرز بعض النجاحات، إلا أن القوات المسلحة اليمنية لا تزال منقسمة وتدين بالولاء إلى القادة الموالين والمناوئين لهادي. ما يجري في أرحب، قليلة هي المعلومات التي تصلنا عنه، لكنه يمثل المواجهات العسكرية المستمرة بين الفينة والأخرى، والتي تغذيها انقسامات القوات المسلحة التي قسمت العاصمة صنعاء وأصابت الحكومة بالشلل. والصورة التي ينقلها المراقبون السياسيون والقادة القبليون من اليمن مخيفة على مستقبل اليمن التعيس بأولاده، لأن الصراع على السلطة ظهر تأثيره واضحاً في القتال ضد «القاعدة»، حيث نشر الجزء الأكبر من القوات المسلحة المدربة بما في ذلك الكثير من وحدات محاربة الارهاب التي تلقت تدريبها في الولاياتالمتحدة في العاصمة صنعاء وفي أرحب لحفظ النفوذ السياسي لقادتهم بدلاً من القتال في الجنوب ضد تنظيم القاعدة الي يستهدف الولاياتالمتحدة، ويستهدف كامل الأراضي اليمنية وما خلف حدودها. ويقول المحلل اليمني عبد الغني الارياني «سحبت التوترات حول صنعاء الموارد من الحرب ضد الارهابيين في الجنوب». ويمثل أحد طرفي النزاع في أرحب، رجال قبائل مرتبطين بحزب «الاصلاح الاسلامي» الأقوى نفوذاً في البلاد، وعلى محسن الأحمر ، اللواء المنشق، وعلى الجانب الآخر، يوجد الحرس الوطني الجمهوري الذي يقوده أكبر أبناء علي عبد الله صالح، أحمد علي صالح. ويقول الأرياني: «انهم بيادق في المنافسة بين فصيلي النظام». لماذا الصراع على أرحب؟ تتمتع أرحب بأهمية استراتيجية لأنها قريبة من المطار الدولي في العاصمة، وتضم قواعد الحرس الوطني الجمهوري في المنطقة وهي أيضا مسقط رأس رجل الدين البارز عبد المجيد الزنداني، الذي تنعته الولاياتالمتحدة بالارهاب على خلفية الشكوك بصلاته بالارهاب. بدأ الصراع في أرحب كما يقول سودارسان راغافان خلال الصيف الماضي بعد انضمام اللواء محسن الأحمر الأخ غير الشقيق لعلي عبد الله صالح وقائد اللواء المدرع الأول إلى الثورة المؤيدة للديمقراطية، وبعد قتل الحكومة لعشرات من المتظاهرين في صنعاء وتعز، وقد انحاز الزنداني مثل محسن الأحمر إلى جانب المتظاهرين. أيضاً، انحاز رجال القبائل في أرحب الى المتظاهرين، وهبوا لمنع قوات الحرس الوطني الجمهوري من دخول العاصمة وسحق الثورة. وقد شن رجال القبائل هجمات على القواعد الجبلية لقوات النخبة وأطلقوا صواريخ وقذائف المورتر على «القاعدة» ورد الحرس الوطني الجمهوري بدك الوادي بالمدافع والضربات الصاروخية، مما جعل السكان يلجأون إلى الكهوف دون ماء وكهرباء بإستثناء الطعام القليل. أرحب صورة مصغرة عن الصراع، وإذا لم يتم إقصاء أحمد علي عبد الله عن قيادة الحرس الوطني الجمهوري والكثيرين من القيادات الموالين للرئيس السابق سيظل وضع اليمن بحالة سيئة، وقد تسوء الحالة أكثر.