/"لندن – - تصور برقيات دبلوماسية سرية اميركية كشفها موقع ويكيليكس الرئيس اليمني علي عبد الله صالح "المقيم في الحكم منذ مدة طويلة"، كما تقول صحيفة "ذي غارديان" البريطانية اليوم السبت، كشريك مربك في "الحرب على الارهاب" يتقلب ما بين الازدراء للاميركيين واظهار اللطف نحوهم بينما يصارع طوال الوقت لاحتواء التوترات الحامية في بلد يحذِر هو من انه على وشك ان يصبح "اسوأ من الصومال". وللمرة الاولى تكشف البرقيات المسربة التي تعرضها الصحيفة البريطانية النطاق الحقيقي للتورط العسكري الاميركي في حرب الخط الامامي ضد "القاعدة" وعرض اليمن للولايات المتحدة بابقاء الباب مفتوحاً امامها لضرب الارهاب. ويقول تقرير سري ارسل الى واشنطن ان الرئيس صالح قال لنائب مستشار الرئيس باراك اوباما لشؤون الامن القومي جون برينان في ايلول (سبتمبر) 2009: "لقد اعطيتكم باباً مفتوحاً (لمحاربة) الارهاب. لذا فانا غير مسؤول". وتضيف "ذي غارديان": "في الواقع بالرغم من عرض "باب مفتوح"، فان اليمن قيد دخول قوات اميركية من اجل تجنب خدمة اغراض منتقدي صالح المحليين". وتكشف الوثائق لللمرة الاولى النطاق الحقيقي للتورط العسكري الاميركي السري في افقر بلد عربي، وسط قلق عميق في واشنطن من انه صار الملجأ الآمن لتنظيم "القاعدة في جزيرة العرب". وبينما تصر حكومة صالح علناً على ان قواتها هي المسؤولة عن عمليات مكافحة الارهاب، فان الوثائق تصف كيف عقد الرئيس صفقة سرية للسماح للولايات المتحدة بتنفيذ ضربات بصواريخ كروز ضد تنظيم "القاعدة في جزيرة العرب". وقد صور صالح الضربة الاولى في كانون الاول (ديسمبر) من العام الماضي ، والتي قتلت عشرات المدنيين الى جانب "الجهاديين" المطلوبين، بأنها عملية يمنية، مدعومة من الاستخبارات الاميركية. لكن برقية تاريخها 21 كانون الاول (ديسمبر) من السفير الاميركي ستيفين سيش سجلت ان "اليمن يصر على انه يجب ان يحافظ على الوضع الراهن في ما يتعلق بالنفي الرسمي للتورط الاميركي. واراد صالح للعمليات ان تستمر من دون توقف الى ان نستأصل المرض". وقد نفذ هجوم ثان في 24 كانون الاول (ديسمبر). بعد عدة ايام، في اجتماع مع الجنرال ديفيد بترايوس، الذي كان آنذاك قائد القيادة الاميركية المركزية، اقر صالح بانه يكذب على شعبه بشأن هذه الضربات. وقال صالح لبترايوس في 2 كانون الثاني (يناير): "سنواصل القول بان القنابل منا نحن وانها ليست قنابلكم". ودفع هذا نائب رئيس الوزراء رشاد العليمي الذي كان موجوداً في الاجتماع ايضاً الى القول انه "كذب" للتو بابلاغه البرلمان ان القنابل في ارهب وابين وشبوة (وهي معاقل ل"القاعدة") هي اميركية الصنع لكن اليمن استخدمها. وكان بترايوس قد وصل بطريق الجو الى صنعاء ليبلغ صالح ان باراك اوباما سيسمح لقوات برية اميركية "مسلحة باستخبارات تبث مباشرة" من اقمار اصطناعية او طائرات استطلاع بان تنتشر في اليمن للقيام بعمليات لمكافحة الارهاب. لكن صالح رفض العرض بشكل متباين مع اقتراحه الخاص ب"الباب المفتوح"، وعبر عن قلقه من خسائر اميركية. وبدلاً من ذلك اتفق على ان "تحوم طائرات نفاثة اميركية بعيداً عن الانظار خارج الاراضي اليمنية وان تكون مستعدة لضرب اهداف ل "القاعدة" في حال توافرت معلومات استخبارات يمكن القيام بعمل على اساسها". وسيتعين على العسكريين الاميركيين البقاء داخل مركز القيادة اليمني. وقال صالح ان "اخطاءً ارتكبت"، في الضربات السابقة واسف لاستخدام صواريخ كروز "غير دقيقة جداً" ورحب باستخدام قنابل دقيقة التوجيه تطلقها طائرات. الرئيس صالح يوصف الرئيس صالح (64 عاماً) في البرقيات الاميركية بانه "غضوب" و"غريب الاطوار" في مفاوضاته مع مسؤولي الأمن الاميركيين الذين اجتمعوا معه في اليمن في مناسبات عدة في 2009 مع تصاعد القلق من عودة بروز "القاعدة" في البلاد. وفي سلسلة من ثلاثة اجتماعات رسم صالح صورةً لنفسه كزعيم على حافة كارثة تتسم سياساته بتقلب لا يمكن التنبؤ به، بينما يحتفظ بمظهر استرخاء وثقة. وفي احدى المراحل اجتمع مع سفير الولاياتالمتحدة ورجل رفيع المنصب في وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي آي أي) في منتجعه الريفي وبدا "مسترخياً مرتدياً قميصاً ابيض مفتوح الياقة وبنطالاً داكن اللون" بينما "كانت ترى بوضوح فوق عينه اليسرى آثار جرح اصيب به نتيجة سقطة على الارضية المحاذية لبركة السباحة في القصر الرئاسي في صنعاء". بشكل متباين مع الصورة الرزينة التي يبرزها لانفسهم نظراؤه في بلدان خليجية اخرى، ترى له (صالح) صور وهو يلعب البولينغ او يمارس الغوص وصورة له مبتسما معتمراً قبعة كاو بوي. ويخفف من الشعور بالاحباط بسبب تكتيكاته التفاوضية قدر من المودة الواضحة تجاهه. وبعد اجتماع استمر ساعتين مع جونان برينان، نائب مستشار الامن القومي لباراك اوباما، وصف السفير (الاميركي) كيف ان صالح "كان في احسن حالاته...احياناً مزدرياً ومتجاهلاً، واحياناً اخرى توفيقياً ولطيفاً". ولكنه في احاديث اخرى اكثر صخباً يصور نفسه بانه محاصر ومعتمد على دول اجنبية لانقاذ بلد حياته السياسية معقدة باعتبارات عائلية وقبلية وفقر مدقع. وخلال لقاء مع برينان في أيلول (سبتمبر) شرح بالتفصيل المشاكل التي يواجهها في ادارة شؤون اليمن في وقت يقاتل فيه "القاعدة" ومجموعتين متمردتين من داخل البلاد. وكشف عن ان "القاعدة" حاولت اسقاط طائرته الرئاسية بصاروخ – وهي المرة الثانية التي يتعرض فيها للاغتيال – واعرب عن استيائه من ان دولا مختلفة منها المملكة المتحدة وايران وليبيا وقطر تقوم بتمويل المتمردين والارهابيين في اليمن. واعرب صالح عن استعداده للتوصل الى صفقات مع الاميركيين اثناء بحث قضية حساسة تتعلق بعودة 120 يمنيا من قاعدة غوانتانامو. واقترح في احدى المرات ان يبقيهم الاميركيون سجناء في كوبا او نقهلم الى احد السجون الفيدرالية في ولاية كولورادو الاميركية، فيما يقوم اليمن ببناء منشآة تأهيلية – وهي سياسة يمكن ان تلهب الرأي العام اليمني لو كشف عنها النقاب. وقال انه لا يريد ارسال مواطنين يمنيين الى منشآت داخل المملكة العربية السعودية. وقد ترك هذا الامر في نفوس الاميركيين الانطباع بانه تكتيك تفاوضي فج لدعم مطالب صالح المتكررة للحصول على 11 مليون دولار (أي 7 ملايين جنيه استرليني) من الولاياتالمتحدة والمملكة العربية السعودية لتمويل المنشأة التأهيلية. وقال لبرينان: "سنقوم بتوفير الارض في عدن، وتقومون انتم والسعوديون بتوفير التمويل". واضاف انها ستكون جاهزة خلال 90 يوما بعد استلام ال 11 مليون دولار اللازمة لعملية البناء. وقالت السفارة ان صالح "بدا خلال الاجتماع الذي استغرق 40 دقيقة متناوبا بين مشاعر الرفض والسأم ونفاد الصبر". واضافت ان "القول بان صالح فوت فرصةً جيدة للتواصل مع الادارة الجديدة في احدى اولويات سياستها الخارجية الرئيسة سيكون قولاً متحفظاً بشدة". وعاد صالح الى القضية التي بحثت في ايلول (سبتمبر)، وكرر بعد الموافقة على امكان نقل المعتقلين الى السعودية لفترة قصيرة، السؤال "كم دولارا ستدفع الولاياتالمتحدة" من اجل منشأة التأهيل اليمنية. ورفض عرضا من برينان لدفع 500 ألف دولار كدفعة اولية معتبراً المبلغ ضئيلاً جدا. واعرب صالح لبرينان عن تذمره من ان الولاياتالمتحدة قدمت "كلمات وليس حلولا" لمسألة الارهاب في اليمن، وطالب بمزيد من التمويل والمعدات، رغم ان الولاياتالمتحدة صرفت 115 مليون دولار (73 مليون جنيه استرليني) لتزويد قوات مكافحة الارهاب اليمنية بالمعدات منذ العام 2002. وبالنسبة الى الاميركيين بدت تكتيكاته التفاوضية مشوشة احياناً. فرغم تكرار مطالبته واشنطن بالمال في احد الاجتماعات، عمد بعد ذلك الى اعلان انه "يفضل البنية التحتية والمعدات على النقد، وهو ما يعكس عدم الثقة في قدرة نظامه على التصرف بالسيولة النقدية، وما يصعب التفكير بانه يوفر حلا قابلا للحياة لاجتثاث الفساد على المدى البعيد". ومن الواضح ان مشاعر الاحباط لدى واشنطن تجاه الرئيس (اليمني) متبادلة. ففي حديثه مع منسق وزارة الخارجية لشؤون مكافحة الارهاب دانييل بنيامين في 31 كانون الثاني (يناير) وصف الرئيس الاميركيين بانهم "ذوو دماء حارة وعجولون عندما تحتاجون الينا" ولكن "ذوو دماء باردة وبريطانيون عندما نحتاج اليكم