[email protected] الأسبوع الفائت احتفلت الولاياتالمتحدةالأمريكية بعيد الشكر، وبالرغم من الطقوس الاحتفالية الرائعة وذات الطابع الإنساني التي خيمت على أجواء الاحتفال والمناسبة التي تبدو حميمية إلا أن طيفاً تاريخياً باهتاً كان حاضراً في هاجس بعض من تشغلهم المفارقات التاريخية ممن يجدون أنفسهم يبحثون عن حقيقة الشكر كقيمة نبيلة في عيد كهذا يحلو لأهل تلك الهواجس وصفه بعيد ( الغدر ) . يحتفل الأمريكيون بعيد الشكر (Thanksgiving) في الخميس الأخير من شهر تشرين الثاني / نوفمبر من كل عام،. وهو عيد قومي علماني وليس مناسبة دينية كما يبدو من اسمها، وفي هذا اليوم يتقدم الشعب بالشكر لله لإنقاذ الأمريكيين الأوائل من المجاعة والهلاك ، ويعتبر من أهم المناسبات التي تلم شمل الأسر والأصدقاء ، وتعد فيه مائدة عشاء عامرة يأتي على رأسها الديك الرومي . وتكمن قصة الغدر في عيد الشكر هذا في الخلفية التاريخية للمناسبة حيث يعود الاحتفال بهذا العيد إلى أوائل القرن السابع عشر عندما بدأت هجرة الأوروبيين إلى القارة الأمريكية هرباً من اضطهاد الكنسية الانجليزية لهم ، وهاجر بعضهم من بريطانيا إلى هولندا ومن ثم إلى الساحل الأمريكي وكانت الرحلة طويلة ومضنية ، مات فيها الكثير منهم، وكان خط نهايتها الشاطئ الشرقي لولاية ماساتشوستس في شهر تشرين الثاني من عام 1621.غير أن وصولهم تزامن مع دخول فصل الشتاء الذي يتميز بالبرد القارس والأمطار الغزيرة والثلوج التي أهلكت معظمهم ممن لم يتقنوا الصيد والزراعة . ومن المثير للدهشة أن نجاة الأمريكيين البيض الأوائل جاءت على يد اثنين من الهنود الحمر الذين تعرضا للإبادة على أيديهم فيما بعد ، وكان الهنديان قد شرعا في تعليم الأوربيين البيض صيد الطيور والحيوان والسمك وزراعة الذرة. من هنا قرر الأمريكيون الأوائل الاحتفال بالنعمة ووجهوا الدعوة إلى الهنود الحمر للاحتفال بما أسموه حينذاك عيد الشكر وتناولوا فيه الديك الرومي ، غير أنه وبمرور الوقت اقترف الأوروبيون البيض عدداً من المذابح ضد الهنود الحمر وأمعنوا في قهرهم وقمعهم طمعاً في الاستيلاء على المزيد من الأراضي التي كانت تقع تحت سيطرتهم. وتحول الاحتفال بالنجاة من الهلاك إلى حدث سنوي حتى أعلنه الرئيس أبراهام لنكولن عام 1863عيداً رسمياً للبلاد أطلق عليه عيد الشكر . ومن التقاليد المثيرة ، أنه في مثل هذه المناسبة ينجو ديك رومي من الذبح حيث يُجلب كهدية سنوية تقليدية للرئيس الأمريكي في البيت الأبيض ، ويضع الرئيس يده برفق على الديك الحي ثم يصدر أمراً رئاسياً بالعفو عنه وإعادته لمواصلة حياته في إحدى المزارع. لم ألحظ أن قصة الغدر تلك الغائرة في ثنايا عيد الشكر حاضرة اليوم فالسائد هو الأجواء الحميمية في الدولة العظمى التي بات سكانها الأصليون مجرد بضعة آلاف يتحصنون في محميات خاصة ولهم أيضاً معاملة خاصة ضمن القانون الأمريكي الاتحادي . هذه السنة بالذات حدث تزامناً في التوقيت بين عيد الشكر الأمريكي أو (الغدر) كما يحلو للبعض وصفه ، وعيد الغدير الإسلامي أو (الشيعي) كما يحلو للكثيرين نعته ، وفي اليمن التي تمثل الطائفة الزيدية فيه مايقارب الثلث من السكان درج الزيديون على الاحتفال بهذا العيد الذي قام فيه النبي الأكرم (ص) حسب الروايات بتنصيب الإمام علي بن أبي طالب وصياً من بعده أثناء رحلته إلى حجة الوداع في منطقة تدعى (غدير خم ) ، ويجدر الالتفات إلى أن عيد الشكر أو الغدر في أمريكا لم يحصل أن تم فيه الغدر إلا بآلاف مؤلفة من الديوك الرومية ، وأما في عيد غديرنا الإسلامي جرى الغدر بموكب من المسلمين الذين كانوا يقصدون محافظة الجوف لإحياء مناسبة دينية وفق عقائدهم التي توارثوها منذ آلاف السنين . فإذا كان الطيف الباهت لقصة الغدر الذي يحضر في عيد الشكر الأمريكي يبدو منغصاً لبعض المسكونين بالتاريخ فكيف يمكن للغدر الذي رافق الغدير الإسلامي أن لا يتحول إلى غصة مقيمة وربما لزمن طويل لولا حكمة الذين يحرصون على عدم الانزلاق في مهب التعصب والفتنة ويربأون بأنفسهم من هوس التكفير ويتجنبون نيران الانقسام المذهبي ؟!. عن صحيفة (اليقين) الأسبوعية