هل الغباء قدر الجنوبيين؟    صلف الزيود وملاطيم تعز والحجرية!!    لا ابن الوزير ولا بن عديو أوجد دفاع مدني لمحافظة النفط والغاز شبوة    قاتلوا سوريا والعراق وليبيا... السلفيين يمتنعون عن قتال اسرائيل    انهيارات صخرية خطيرة في دوعن تهدد حياة المواطنين وتجبرهم على الرحيل    غضب شعبي في ذمار بعد منع الحوثيين حفلات التخرج!    اختطاف مسؤول محلي على يد مسلحين مجهولين جنوب اليمن    الوزير نايف البكري يعلق على اجتماع هيئة المصالحة والتشاور ويشيد بدعم الرئاسي لها    "القول ما قالت عدن"..المتحدث باسم المجلس الانتقالي: عدن صامدة في وجه التلاعب الحوثي    في اليوم 250 لحرب الإبادة على غزة.. 37202 شهيدا و 84932 جريحا و 3 آلاف طفل معرضون للموت جوعا    لماذا لا يستفيد حزب الله وإيران من قدرات الحوثيين الجبارة في اكتشاف الجواسيس؟..صحفي يجيب ساخرا    الإمام إسماعيل بن يوسف العلوي الهاشمي.. نهب مكة وقتل الحجاج..!    غريفيث: نصف سكان غزة يواجهون المجاعة والموت بحلول منتصف يوليو    سانشيز قد يعود لفريقه السابق    ريال مدريد يستعد لتقديم مبابي بحفل كبير    الافراج عن القاضي عبدالوهاب قطران    في اليمن..الكشف عن جريمة مروعة: زوج يصور زوجته بدون علمها ويرسل الصور لأصدقائه!    «كاك بنك» ممثلاً برئيسه حاشد الهمداني يشارك في قمة Men Finance للمعاملات المصرفية بالرياض    غوتيريش يطالب مليشيات الحوثي بالإفراج الفوري عن جميع موظفي الأمم المتحدة    وفاة مواطن بصاعقة رعدية بمديرية القبيطة بلحج    ما السن المعتبرة شرعاً في الأضحية لكل نوع من الأنعام؟.. خبير سعودي يجيب    أعينوا الهنود الحمر في عتق.. أعينوهم بقوة.. يعينوكم بإخلاص    بعثة منتخب الشباب تصل الطائف لخوض معسكر خارجي    حصحص الحق    احتضنها على المسرح وقبّلها.. موقف محرج ل''عمرو دياب'' وفنانة شهيرة.. وليلى علوي تخرج عن صمتها (فيديو)    سعر الأضحية في هذه المحافظة اليمنية يصل إلى 3 مليون ريال    إصلاح صعدة يعزي رئيس تنفيذي الإصلاح بمحافظة عمران بوفاة والده    الهجرة الدولية:ارتفاع حصيلة ضحايا غرق قارب قبالة سواحل شبوة إلى 49    المنتخب الوطني يتعادل مع النيبال في ختام التصفيات الآسيوية    معاناة أبناء عدن وكل الجنوب... هل لها ما يبررها أم إنها تتم بفعل فاعل؟    وفاة 35 شخصا وإصابة العشرات جراء حريق اندلع في مبنى سكني بالكويت    انهيار كارثي للريال اليمني.. والدولار يكسر حاجز 1800 وهذا سعر صرف الريال السعودي    أسعار الذهب في اليمن اليوم الأربعاء    ملاك الصيدليات يهددون بالإضراب عن العمل نتيجة للاعتداء على أحد الصيدليات في مدينة رداع    حكم صيام يوم الجمعة أو السبت منفردا إذا وافق يوم عرفة    السمسرة والبيع لكل شيء في اليمن: 6 ألف جواز يمني ضائع؟؟    اليونيسف: نحو 3 آلاف طفل في غزة معرضون لخطر الموت    مستشار الرئيس الزُبيدي يكشف عن تحركات لانتشال عدن والجنوب من الأزمات المتراكمة    وديًّا: رونالدو يقود البرتغال للفوز على أيرلندا    20 محافظة يمنية في مرمى الخطر و أطباء بلا حدود تطلق تحذيراتها    مدرب وحدة عدن (عمر السو) الأفضل في الدور الأول في بطولة الناشئين    النائب حاشد يغادر مطار صنعاء الدولي    بكر غبش... !!!    بالفيديو.. رئيس ''روتانا'' يفاجئ الفنان محمد عبده عقب عودته من رحلته العلاجية .. وهذا ما فعلته ''آمال ماهر'' مع فنان العرب    مساء اليوم.. المنتخب الوطني الأول يواجه النيبال في تصفيات آسيا وكأس العالم    مليشيات الحوثي تسيطر على أكبر شركتي تصنيع أدوية في اليمن    منظمة حقوقية: سيطرة المليشيا على شركات دوائية ابتزاز ونهب منظم وينذر بتداعيات كارثية    حسام حسن: البعض يخشى نجاح منتخب مصر.. والتحكيم ظلمنا    عن جيراننا الذين سبقوا كوريا الشمالية!!    حكم التضحية بالأضحية عن الميت وفق التشريع الإسلامي    إتلاف كميات هائلة من الأدوية الممنوعة والمهربة في محافظة المهرة    السلطات السعودية تكشف عن أكبر التحديات التي تواجهها في موسم الحج هذا العام.. وتوجه دعوة مهمة للحجاج    افتتاح جاليري صنعاء للفنون التشكيلية    وفاة واصابة 4 من عمال الترميم في قبة المهدي بصنعاء (الأسماء)    عالم آثار مصري شهير يطالب بإغلاق متحف إنجليزي    أحب الأيام الى الله    السيد القائد : النظام السعودي يتاجر بفريضة الحج    ما حد يبادل ابنه بجنّي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دفاتر زينب
نشر في سما يوم 16 - 12 - 2010


كاتب وصحفي فلسطيني مقيم في الدنمرك

عندما استيقظ دات صباح في شهر آب القائظ ,كان جبينه يرشح عرقا , بدأ يتمتم بكلمات مبهمة وهو يتلوى ألما من صداع في منتصف الرأس , بعد أن كان قد قضى ليلته في صراع
مع الكوابيس التي داهمت نومه ولم يتذكر منها سوى عبق رائحة السجائر حين امتص آخر سيجارة وألقى برأسه على الوسادة كي ينام .
ولم تجدي نفعا مع هذه الكوابيس جميع المحاولات لطردها , وأفراد عائلته اصطفوا واجمين بجانب سريره لايدرون مايفعلون ,بعد ان أيقظتهم صرخته المدوية منتصف الليل , الا ان والدته العجوز أصرت على تلاوة بعض سور القرآن الكريم فوق رأسه وهي تمسح جبهته براحة يدها اليمنى .
كان حين استيقظ قد قرر – وهو بالمناسبة نادرا ما يستطيع التقرير في شأن من شؤون حياته – أن يحطم احتكار الكتابة الصحفية على حد تعبيره , وأن يقتحم اسوار هذه القلعة المغلقة على أصحابها وينضم الى جنود القلم كما كان يسميهم , الذين كان يراهم يدخلون ويخرجون من الباب الرئيسي لمقر احدى المجلات الحزبية الاسبوعية , يتأبطون بعض الصحف اليومية وحزما من الأوراق لايدري مابها , ومنهم من ارتدى ثيابا بالغ في أناقتها بدرجة ملفتة , تتدلى حقائب جلدية من اكتافهم يتنافسون في اقتناء الأجمل منها, والله وحده يعلم مابداخلها , ولم يجرؤ صاحبنا يوما على الاقتراب منهم , رغم أمنيته أن يلقي التحية على واحدا منهم , او ان يبادروه السلام , الا أن شيئا من هذا لم يحصل .
وبعد طول انتظار وتردد , ارتدى افضل مالديه من ثياب وسرح مابقي من شعر رأسه , وكي تكتمل الاناقة أفرغ نصف زجاجة عطر رخيص فوق رأسه , وعرج الى محل تصليح الأحذية في طريقه الى المجلة كي يلمع حذاءه ويرتق الثقوب الجانبية فيه كي لا يلحظها أحد مما قد يحول دون تحقيق ما قد عزم البدء فيه .
طرق باب المجلة و والتقى عددا من المسؤولين في ادارتها وفي هيئة التحرير ,وأصر على أن يلتقي مسؤول قسم الدراسات السياسية والاستراتيجية بشكل منفرد للتباحث معه في القضايا المصيرية التي تعصف بالأمة , ولما كان المسؤول مسافرا للمشاركة في نشاطات أحد المؤتمرات التي دعي اليها , اكتفى بلقاء النائب الذي اخبره أن لافرصة امامه لمقابلة السيد رئيس التحرير الذي يستشيط غضبا لأن الدعوة وصلت الى رئيس قسمه واعتبر الأمر اهانة شخصية له , وأنه حاول عبثا أن يتصل بالقائمين على المؤتمر ليرسلوا له دعوة اخرى , بعد شعوره بالخيبة لفشل المؤامرة التي حاك خيوطها في مكتبه بمعاونة السكرتيرة لمنع رئيس قسم الدراسات من السفر .

وبعد يومين كاملين امضاهما صاحبنا في غرفة موصدة , مكتفيا بالضروري من الغذاء والماء , وهو يفرك يديه ببعضهما , يحاول عصر راسه والامساك بفكرة مقالته الأولى والتي ستكون طريقه الى مجد الصحافة يدخله من الباب الواسع , كما ستجعل منه انسانا مشهورا وشخصا مهما وتضع اسمه بجانب كبار الكتاب .
وعندما أدرك أن وحي الكتابة قد أشفق عليه وأنه قد حانت ساعة الصفر ,أخذ يبحث في زوايا المنزل عن القرطاس والقلم , وبعد جهد مرير وجد القلم , وعبثا حاول العثور على القرطاس , وحين فقد الأمل من هذا البحث المضني الذي استغرق ساعتين كاملتين , بعثر خلالهما محتويات غرف المنزل , وحين استدرك أنه لم يكن في يوم بحاجة الى القرطاس , التفت الى دفاتر شقيقته زينب وكانت لازالت طالبة ابتدائية .
التقط أحد هذه الدفاتر وبدأ مشواره مع الكتابة الى أن ملأ صفحات الدفتر الاربعين بمقالته العظيمة التي تناولت خطابا سياسيا كان قد ألقاه في حينه أحد القادة السياسيين .
استل صاحبنا القلم بيده اليمنى , وأحكم قبضته اليسرى على الدفتر المسكين و وراح يشيد ويمتدح خطاب القائد الملهم مبتدءا مقالته على النحو التالي :
قال الأخ القائد في خطابه التاريخي الذي ألقاه منذ يومين بحضور عدد كبير من ممثلي الأحزاب وحركات التحرر الصديقة وحشد غفير من جماهير شعبنا و ثم فتح مزدوج ونقل بأمانة تامة الجزء الأول من خطاب القائد , فملأ ثماني صفحات كاملة , وتبعا لأصول الكتابة الصحفية اغلق المزدوج في المقطع الأول .
وفي مستهل الصفحة التاسعة كتب صاحبنا هذه العبارة الصغيرة , ويضيف القائد الكبير و ثم فتح مزدوج مرة أخرى ونقل حرفيا الجزء الثاني من خطاب القائد فغطى عشر صفحات كاملة , وعندها أطلق زفرة تطايرت من شدتها الأوراق أمامه , ومنح نفسه قسطا من الراحة شرب خلالها سبعة فناجين من القهوة بالتمام والكمال , وعندما طلب المزيد بالحاح تشوبه العصبية , هرعت شقيقته زينب الى الجيران تستجدي بعض البن للمفكر العظيم .
وبعد أن انتهى من تدخين علبة سجائر كاملة من النوع الرخيص امتصها حتى الفلتر , مسح جبهته المتعرقة واستأنف حربه الشرسة مع المقالة .
ففي مطلع الصفحة الثامنة عشرة تابع الصحفي الجليل ماقد بدأه وكتب : وفي مجال آخر تعرض القائد المقاتل لقضية الصراع العربي الاسرائيلي , بما يؤكد استمرار حزبه في خوض غمار الكفاح المسلح , ثم فتح مزدوج وأورد مقاطع كاملة مطولة من خطاب القائد الفذ حتى وصل الى آخر سطر من الصفحة الاربعون من دفتر أخته زينب , كان خلالها قد حرق نصف علبة السجائر التي أرسل أخته لشرائها و وابتلع اربع حبات من مسكن الألم للسيطرة على مشاعره الجياشة التي اججتها كلمات القائد الحماسية ثم أغلق المزدوج , وبطح اسمه تحت المقالة وسمح لنفسه أن يضع تحت الاسم اشارة تقنية '' 24 اسود '' .
بعد أن أتم انجاز هذه الخبطة الصحفية أطلق صفرتين متواصلتين , وضم الدفتر الى صدره كما تضم الأم البكر وليدها , وارتمى متهالكا فوق الكنبة مباعدا مابين رجليه تاركا العنان لخياله يصور له عالم الأضواء والشهرة .
ثم استدعى زوجته وأولاده الصغار , وبصوت خطابي تغلب عليه الجدية المصطنعة طلب من زوجته أن تشرف من الآن فصاعدا على شؤون المنزل والأولاد , وأن تتحدد زيارات الأقارب والأصدقاء بناء على مواعيد مسبقة , وأن تطلب من الجيران التزام أقصى درجات الهدوء والسكينة , وطلب من أطفاله عدم تشغيل التلفزيون والمذياع الا بناء على تعليمات منه وذلك فقط للاستماع الى نشرات الأخبار التي بات من الضروري أن يعتاد على الاستماع اليها من الآن فصاعدا لمتابعة مايجري من تطورات على الساحة الدولية , وأن ..... وأن .., لأنه منصرف تماما منذ هذه اللحظة الى الكتابة في القضايا المصيرية الكبرى , والتي لابد من أن يدلي بدلوه فيها بعد أن لاحظ أن زملاءه من كبار الكتاب والمفكرين لم تسعفهم قدراتهم الذهنية للالمام بكافة جوانبها , وطلب من ابنه الكبير أن يحضر له كمية كبيرة من الأوراق البيضاء وعددا من الأقلام كالتي يستخدمها أقرانه .
فصدق المساكين ماسمعوه وبالغت الزوجة في تطبيق تعليمات زوجها الكاتب الجاد المنصرف لمعالجة القضايا الشائكة , وتحول المنزل الى دير مهجور , صمت مطبق, زوار قليلون يتناقصون يوما بعد يوم , وصاحبنا المفكر عابس الوجه مقل في الكلام وكثير التدخين , تهاجمه نوبات من السعال الشديد بين الحين والآخر , يضع يده اليسرى أعلى جبهته على طريقة القادة والمفكرين , وفي يده اليمنى قلمه وأمامه أكوام من الدفاتر والورق تنتظر الاشادة والمدح بالخطيب , لقادة بدا صاحبنا يتابع تحركاتهم ومهرجاناتهم حتى لاتفوته واحدة .
ولعل الفرق الوحيد بين صاحبنا الذي كتب ذات يوم على دفتر اخته زينب , وبين العشرات من امثاله , أنه أمين ونزيه في ابداعاته , يضع الكلام الذي ليس له بين مزدوجين , فيما يتركه الآخرون حرا طليقا وينسبونه لأنفسهم ولايخجلون .
ايها الكتبة , من كان منكم بلا دفاتر زينب فليرجم صاحبنا بحجر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.