للعقل أيضاً عوراته كما له أفكاره وأسراره ونواياه، وهي عورات أكثر إثارة وشبهة وفضائحية .. أما لماذا ؟ لأنه يُخفي الكثير والعظيم والخطير من الأفكار والنوايا التي لم تتجسّد في لغة فعل ولم تخرج من عتمة النفس إلى فضاء الواقع بعد، عندما نحجبها عن الآخرين فإننا نسترها بورقة توت لا تظهر إلا ما يجوز ويتناسب أو يتوافق مع القيم والأخلاقيات ويحفظ لنا صورتنا أو ماء وجهنا. ولأن الأعمال بالنيات بقيت هذه المساحة من أعمال الإنسان التي تُضمرها النفوس في إطار الغيب لا يعلمها إلا الله...ونحن. إلا أن حال هذه النوايا كحال الأجنة في أرحامها حين بقيت محجوبة عن عالمنا حتى جاء العلم باختراع أجهزة طبية لتكشف نوع الجنين ذكراً كان أم أنثى. اليوم أيضاً جاء دور أدمغتنا وما تحمله أرحام رؤوسنا من نوايا وأفكار حسنة كانت أم خبيثة ؟ والخبر كما هو يقول: تمكن علماء أمريكيون وبريطانيون من رصد أفكار الآخرين ومعرفة هواجسهم التي تدور في المخ والتعرف عليها باستخدام أشعة الرنين المغناطيسي! إذن قد لا ننتظر طويلاً حتى نستطيع قراءة أفكار الآخرين والتكهّن بالنوايا التي يتم تخزينها قبل تقرير تحويلها إلى أفعال حقيقية. وإذا ما كانت خاصية الغموض هي الوجه الآخر للحياة فكيف يكون حالنا إذا ما انكشفنا على بعضنا بعضاً ولم يعد بالإمكان إخفاء أفكارنا الوليدة وتشذيبها وتهذيبها قبل أن يلتقطها الآخرون ويرونها عارية كما هي ؟ وهل ستفسد دهشة الشك والاكتشاف ثم الارتطام العنيف بالواقع ؟ أين الفرق ؟ في وقت سابق كان العلم قد توصل إلى ما يُسمى توارد الأفكار Telepathy وهي ظاهرة انتقال الأفكار والصور العقلية من دون الاستعانة بأية حاسة من الحواس الخمس بين شخصين على علاقة ببعضهما بعضاً وبشكل كبير بين أشخاص تربطهم علاقة عاطفية قوية فبقيت هذه الظاهرة خاصة جدًّا بل والأهم أنها إرادية، أما أن تنتقل أفكارنا للآخرين أيًّا كانوا أصدقاء وأحباء وأعداء فهي كارثة حضارية. فهل للجهل حسناته وفضائله ؟ ربّما .. وللغموض جمالياته أيضاً. أُسميه غموضاً، لأنه نوع شرعي من الكذب والتخفي يضمن للحياة أن تستمر.. وإلا ما أعظم بؤسنا وشقاءنا إذا ما قرأنا أفكار الآخرين بجلاء.. وما أكبر ورطتنا الاجتماعية بعد أن كنّا نُردّد "إن بعض الظن إثم " فنحسن الظن. تكهّنات العصر تُنبئ بيوم نعجز فيه عن خلق الأعذار..عندما لا يكون للظن مكان أو مساحة.. ولا للفئران صدور تلعب بها وتعبث بهواجسها. هل أترك لخيالكم الباقي،، سأفعل.