أن تصطاد سمكة فتخرج من المياه عصفور من عصافير النيل الزرقاء ثم تطير فلا تطول لحم السمك ولا صدر العصفورة ثم يزفك الأطفال سخرية منك فهذا ما لا يحدث إلا لنوعية قليلة من البشر هم الذين يرضون بالقليل رغم تمردهم الدائم وحين يرضون بقليل النعمة تكون العشوة الملوكي هي قطعة جبن وشوية زيتون..؛ وحين لا يرضون بالقسمة تكون نساء الدنيا لا تكفيهم لإشباع رغباتهم.. لكن قمة الكوميديا في كل هذا أن تكون تصليح الغلطة بالطلاق وليس بالزواج..!! هذه هي باختصار حكاية عبد الرحيم الذي أحب بسيمة أول بخته مع النساء تلك الفتاة الجميلة التي لا يعرف أحد أي أصل لها وتطاردها سمعة سيئة لكن عبد الرحيم أحبها وعاشرها وكان ينوي الزواج لولا اختفائها المفاجئ فعرف بعدها الكثيرات وعاشر أغلبهم.. لذلك لم تكن لديه مشكلة أن تكون بسيمة ذات سمعة سيئة فهو يفعل معها ما توسم هي به.. رغم تحفظه في بادئ الأمر.. وتعددت تجارب عبد الرحيم وبقيت "بسيمة" – عبير صبري – هي الحلم الذي لا ينساه حتى وجدها مرة أخرى في أسوأ ظروف يمكن أن يجتمع فيها اثنين معاً إنها ظروف المرض هي أصابها السرطان وأصابها العلاج الكيماوي بسقوط شعرها وهو أصابه مرض غريب يجعله ينام كثيراً ويفيق فجأة.. لكنه فجأة وجدها أمامه ليستعيد من جديد حيويته ونشاطه وربما الشعور بصحته التي افتقدها.. ليجتمعا معاً من جديد ويتذكر كل منهم الماضي الذي جمعهم ببعض.. ولا يكتفيان بالتذكر بل يروي لها كل ما مر به ونشاهده نحن طوال أحداث الفيلم التي تكشف لنا عن كيفية تعامل رجل ريفي مع القاهرة التي لا يعلم عنها شيء والذي ينبهر بنسائها جداً فينساق وراء غريزته بغض النظر عن كون هذا حلال أم حرام أو حتى لو كان سيصلي بعدها في المسجد مع زوج أخته "البهي" – محمود الجندي – الذي يعمل بالبوستة ويتوسط ها ليجعله هو أيضاً يعمل بها ولنرى كيف تعيش أسرة البهي المكونة من زوجته "نرجس" – دلال عبد العزيز – وأبنائها الثلاثة والذي يقيم معهم أخيها "عبد الرحيم" – فتحي عبد الوهاب – والذين هم من ذوي الدخل المحدود جداً لكن رغم هذا سعداء بما هم فيه وراضون بما قسم لهم الله.. ليبقى أمل البهي في الحياة تعديل وضعه الوظيفي المهدر حتى يموت دون تحقيقي حلمه وأمل زوجته ووصيتها له أن تدفن وفوق رأسها لمبة كهرباء تنير لها القبر ولو لأسبوع واحد حتى تعتاد الظلمة إلا أن زوجها يسبقها للقاء ربها قبلها.. كل هذه الصور نقلها لنا المخرج الفنان مجدي احمد علي بصورة رائعة وموجعة في الوقت ذاته ويحسب له أن له صورة سينمائية مميزة تستحق التقدير والإعجاب وحتما الإشادة لولا تمسكه ببعض لقطات الإغراء التي يمكن أن يستعاض عنها بلقطات الإيحاء فنحن في زمن الانترنت الموجود به كل شيء ولم يعد هناك من يدخل السينما من اجل هذه اللقطات إلا لو كان يريد أن يرى نجومه المفضلين وهم يؤدونها..!! وحينها سيكون اللوم عليهم وحدهم لأنهم هم من يقبلون عليها بأريحية لا تزعجهم فيها نقد الناقدين ولا سخرية الساخرين.. لكن هذا لا يقلل من الأسلوب السينمائي المميز الذي خرج به والذي لعب فيه المونتاج دور البطل بلا شك.. نص الكاتب الكبير إبراهيم أصلان والذي لم اقرأ له كثيراً يحمل فلسفة عالية – كالتي شهدها فيلمه السابق الكيت كات – في تقديم صورة المصري المطحون وربط هذا بالحريات المسلوبة والحقوق المهدرة بفكرة عصافير النيل التي ما إن تطير فوق سطح المياه حتى يمكن اصطيادها بسهولة ربما لأنها اقتربت من الفخاخ المنصوبة لها ولم تبتعد عنها..؛ لكن شطارة العصفور أنه لا يستسلم بسهولة للانكسار والهزيمة لذلك يسعى للخروج من محبسه وربما ينجح في هذا وربما لا.. والنص به إسقاطات كثيرة على أوضاعنا السلبية في الجمل الحوارية وحتى في المشاهد التي احتواها الفيلم بحرفية مميزة لكنه في المطلق العام يبدوا كنص رومانسي يحكي قصة حبيبين افترقا وما إن وجدا بعضهما حتى استعادا حبهم المفقود وقد لا يبدوا هذا للمشاهد العادي من أول مرة يشاهد الفيلم إلا أن من سيشاهد الفيلم أكثر من مرة سيستوعبه أكثر ويفهم فلسفة أصلان وترجمه مجدي احمد علي لهذه الفلسفة.. فهناك "أبو حنان" – صالح السعيد – الذي يسرق وهو يصلي وهو نفسه من يتصنع الفقر حتى يشتري فجأة سيارة ثم يختفي عن صلاة الفجر حسب زعم بعض المتشددين ليكون جزاءه علقة ساخنة منهم يخرج منها كالقتيل ومنها تبدوا تلك المعركة رسالة ضمنية أخرى لكل من يعمل بالسياسة على غير رغبة الحكومة..!! وفي هذا الفيلم يستحق كلا من الفنان محمود الجندي والفنانة دلال عبد العزيز جائزة تميز على إبداعهم في أداء أدوارهم فالجندي أدى دوره بروعة وإتقان مميزان يبدوا فيهم خبرة السنين خاصة مشهد الموت.. وكذلك الفنانة دلال عبد العزيز التي برعت في أداء دورها وأتقنته إلي ابعد مدى.. وحتما تستحق جائزة تميز على تطور نوعية أدوارها وأدائها لها.. ومن الجميل في الفيلم المساحات التي قسمها المخرج على الوجوه الجديدة فمنح الجميع ظهور مميز وبمساحات جيدة دون زيادة أو نقصان وهن ثلاثة فنانات جدد أولاهم الفنانة منى حسين "أشجان" ثم مها صبري "أفكار" ثم مشيرة أحمد – زوجته الأخيرة – بالإضافة للوجه الجديد احمد مجدي الذي لعب دور "عبد الله" ابن نرجس ولعبت الفتيات الثلاث دور حبيبات عبد الرحيم.. الأولى تزوجها وطلقها والثانية تزوجها وطلقها قبل أن يدخل بها والثالثة هي من بقيت معه حتى أنجبت له وحتى وجد بسيمة.. وحتى لا ننسى تفصيلة هامة من تفاصيل الفيلم يجب أن نشيد بأدوار ضيوف الشرف الذين أضافوا للفيلم لمسات هامة لا تقل عن ادوار البطولة كان أولها الدور المميز الذي لعبته الفنانة ليلى نصر وهو دور أم نرجس وعبد الرحيم والذي ختمته بمشهد شديد الروعة وهي عجوز طال عمرها حتى ماتت ابنتها قبلها وزوج ابنتها ومرض ابنها وكبر أحفادها وصارت وحيدة فلم تجد من يعيدها إلي قريتها لتخرج تبحث في الصباح الباكر عن من يعيدها إلي قريتها فلا تجد مجيب لها..!! كذلك لعب صوت الفنان حلمي فودة دور هام في أداء دور الراوي بصوته الرخيم والمميز ولم يكتفي بلعب دور الراوي ليقوم أيضاً بأداء دور صغير كأحد أبناء الحي الذي يقطنه البهي والذي يشجعه على تقديم شكواه إلي عضو مجلس الشعب بتاع الحكومة المضمون نجاحه بالطبع والذي أقام سرادق كبير من اجل منتخبيه وإلقاء وعوده لهم فجاء لينام فيه وكان من كرمه أن منحهم فيه كركديه ليحتسوه وهو نائم.. وقد لعب دور عضو مجلس الشعب الفنان عزت أبو عوف لكن بطريقة معتادة في أداءه ربما لم تضف جديد له..!! والفيلم بهذا يبدوا في مجمله صورة إنسانية رائعة لولا الإفراط في تقديم مشاهد الجنس التي رغم وجود المبرر الدرامي لها لكني لا أوافق عليها ولا حتى أوافق على الصورة التي خرجت بها والتي جعلت الانطباع الأول لنا كأن كل ريفي سهل أن يتخلى عن عاداته وتقاليده ليعاشر كل فتاة يقابلها كما أظهرت كل النساء وكأنهن جميعا لديهن ميول لاحتراف الدعارة..!!..؛ وهو ما يخالف الواقع ويزيد قتامته.. فإذا كانت عصافير النيل تبحث عن غريزتها دوماً فليس معنى هذا أن كل عصافير النيل عينها زايغة..!! سما-خاص