الشاعرة "العربية" ميسون أبو بكر في مجموعتها الأخيرة "نوارس بلون البحر" تقدم للقارىء قصائد فيها شعر موح ومؤثر خاصة حين تتكلم بصوتها او فلنقل حين تجد صوتها الخاص الذي يطل علينا جميلا حين لا تضيعه في زحمة اصوات شعرية وإن جميلة غالبا قد نسمعها في مجموعتها. المجموعة -رغم مآخذ قليلة هي أصلا "شكلية" وإن "عكرت" بعض اجواء القصيدة احيانا- تشكل في غالبها قراءة جيدة من حيث كون معظم ما فيها لا يخلو من التوتر والصور الحارة الموحية والمحركة. الا انها تنجر الى لعبة الوقوع "الاختياري" كما يبدو في اسر لغة الاخرين ومعانيهم. المجموعة التي صدرت عن "الدار العربية للعلوم ناشرون" في بيروت جاءت في 88 صفحة متوسطة القطع اشتملت على 24 قصيدة راوحت بين قصيدة نثر او ما يشبهها وقصيدة تفعيلة ومزيج من الاثنتين وقصيدة كلاسيكية اي ذات الوزن الواحد والقافية الواحدة. وحمل غلاف المجموعة لوحة للفنانة التشكيلية السعودية هدى العمر التي لم يفت دار النشر الشهيرة ان تشير اليها. لكنها لم تشر الى الشاعرة بأي كلمة تعريف وهذا ضروري وإن كان لا يعني ان اسم الشاعرة والصحافية التلفزيونية ليس معروفا. اما وصف ميسون ابو بكر السابق بأنها شاعرة عربية فلأننا نكتشف عبر الانترنت انها فلسطينية من جنين ولدت في الكويت وانتقلت الى الاردن وحصلت على درجة جامعية من بيروت وهي تقيم الآن في المملكة العربية السعودية وتعمل في القناة الإخبارية الفضائية السعودية. قصيدة "نوارس.. بلون البحر" التي استهلت بها المجموعة تشكل قراءة دافئة مؤثرة في جماليتها وتمثل اجمالا اسلوب الشاعرة الخاص الذي ربما وجد القارىء ان التزامه قد يكون انجح واكبر اثرا في نفسه اذ يترسخ عنده انه اسلوبها وإن لم تكن هي من "اخترعه". والواقع اننا نكاد لا نستطيع الادعاء ان شاعرا -ولو من الكبار- "اخترع" اسلوبا بالمعنى التام. فالأساليب هي كالحضارات نتيجة تكامل وتراكم. وهي ايضا كالحضارات التي تهضم حضارات اخرى او سمات من حضارات اخرى لكنها تحوله الى كيانها. نقرأ في القصيدة: "سأقطف الصباح لأزرعه وردة على بابك فلا يتتابع الليل والنهار ولا الفصول الاربعة. ستكتفي حدائقي بالنور والبنفسج والحب سيملأ آنية قلبي فأمتلىء بك. ... "كل الفصول ستتوقف عند ربيعك يتحول الثلج سلسبيلا وتظل الاوراق على اشجارها والشمس كالبدر..باردة ومضيئة عند مواعيد قلبك ستستريح جدائلي او تأكل بصري الطريق..." بعض نجاح هذه القصيدة ناتج -فضلا عما تحمله من عاطفة وصور- عن انسجامها مع تكوينها و"اخلاصها" لنمطها الشعري. انها تقوم بالاضافة الى ما ذكرنا على موسيقى مختلفة عن النمط التقليدي اي انها تنتمي الى قصيدة النثر. موسيقاها ربما وصفت بأنها "داخلية" اي ليست ناتجة عن القافية والوزن. لكن هذه الموسيقى تصل الى سمع القارىء وإلى نفسه. لها قواعدها الموسيقية المختلفة. وليس من المعيب الانتقال من نمط هذه القصيدة الى قصيدة التفعيلة او العكس شرط عدم الاخلال بما اصبح شبه اعراف في الاثنتين. ننتقل الى قصيدة تالية هي "اعطني نايا اغني" على نمط "مواكب" جبران خليل جبران و"اعطي الناي وغن..." انها ذات ايقاع موسيقى حلو في النفس ولا يضيرها الا في احيان معينة الانتقال من نمط الى اخر. تبدأ بالقول: "غني مواويل البلاد.. للبحر غني/ للمنافي للأحبة في المنافي للشواطىء..للحياة. ... "غني مواويل الغياب.. حتى يشيخ اللوز من الحنين ويفوح ليمون الحقول فتحبل الغيمات عطرا وانتشاء..." وتمضي بنجاح في هذه الأجواء المؤثرة التي برع في حملها الى نفوسنا الشاعر الكبير الراحل محمود درويش، تقول: "غني مواويل البلاد.. غني لدالية ترويها حروفك والظلال بفيئها دنيا من الاحباب ضمهم الهوى والذكريات.. مواجع اذ غادروا وتفرقوا غني.. لعل الصوت يرجع من غياب.." ومن ثم تنتقل فتحملنا الى اجوء الشاعر والصحافي اللبناني الراحل فؤاد سليمان "تموز" في قصيدته التي يقول فيها: "غن احبك ان تغني وتحدث الاطياب عني غن. فما عرف الهوى أحلى على النغمات مني..." إلا أننا نجدها هنا "تضطرب" قليلا بين وقع وآخر بما يخل بعض الشيء بالموسيقى وما قد يجوز لنا ان نصفه مستعيرين من تعبير للنقاد العرب القدامى وإن في مجال اخر بعدم توفر "حسن التخلص" الموسيقي لها، تقول: "غني.. احبك ان تغني .. فاعطني نايا.. اغني واعطني قلبا اخبيء فيه همي والحكايا.. فاعطني روحي ترفرف في قباب القدس والاقصى فاخلص من حنيني ان قيدي من حنين واشتياق.. غني مواويل الحنين...". في قصيدة "لم تعلمين" نتذكر قصيدة نزار قباني "سوار الياسمين" ومنها قوله: "وظننت انك تعلمين معنى سوار الياسمين يأتي به رجل اليك.. ظننت انك تعلمين.."، وتقول ميسون: "لو تعلمين.. كم انت فاتنة كطوق الياسمين..." وفي قصيدة "بيروت" على ما فيها من عواطف وصور ما يحملنا الى كلمات وصور سابقة لعدد من الشعراء. انها هنا تخلت الى حد بعيد عن لغتها الخاصة. في قصيدة "امرأة مجنونة" تعود الشاعرة بعمق التجربة الى ذاتها وصورها وهي جميلة مميزة هنا وإلى ما يبدو انه لغتها التي استقرت عليه غالبا فتقول: "اتوسد ليلي اغلق عيني لتفتح ابواب الاحلام.. تلك انا مثل هلال يغرس في عظم الليل خنجر اشواقه ويطوق خاصرة الكون تحترق نجومي وتصير رمادا انثرها فوق عباءة ليلي كلاليء تحتضن ضباب العتمة..." وتختم بالقول: "مثل غروب الشمس انا هائمة دائمة الترحال مثل عروس البحر يراني حبيبي اتحول في حضرته زنبقة بيضاء.. يقبلها ثم اكون امرأة بي كل جنون الكون.." وفي قصيدة "شوق" الجو ذاته تقريبا من الصور ومن الموسيقى الناعمة المشبعة بالحزن، تقول: "يهرم الوقت ساعة الانتظار.. فيتكيء الشوق حزينا على خاصرة الرمال يثير زوابعها فتبلعه الصحراء رويدا فرويدا.. ولما يثقل به رحم الارض تلفظ ما بلعته تلقفه الريح وترحل به...".