على إثر التصريحات، والتحركات، والمراهنات، والضغوطات التي بذلها رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون، وقادها بنفسه خلال الشهور الماضية لتحقيق رغبته الجامحة المتمثلة بتنفيذ خطة «فك الارتباط» والتي ستخلي إسرائيل بموجبها قطاع غزة بما في ذلك المستوطنات الإسرائيلية الموجودة فيها، إلى جانب تعهدات أخرى- على أثر ذلك- أفاق الفلسطينيون، ومعهم المجتمع الدولي الذي يعى قضيتهم على المجزرة الإرهابية البشعة التي إرتكبتها قوات الإحتلال في شمال غزة مؤخراً، مستخدمة مختلف انواع الاسلحة الثقيلة والخفيفة بما فيها الاسلحة المحرمة دولياً.. ويكفي ان نعرف للوقوف على حجم المجزرة أنها خلّفت في يومها الرابع أكثر من سبعين شهيداً معظمهم من الأطفال، إلى جانب جرح المئات، وتدمير العشرات من المنازل بإستخدام الدبابات، وصواريخ الطائرات، ..إلخ ليستحيل نتيجة لذلك كله وجود أي نوع من المقارنة بين حجم المجزرة المروعة البشعة، وبين مبررات إرتكابها الواهية التي تنطلق من عقلية مصابة بالعقم السياسي لا تفرق كثيراً بين قذيفة - مشروعة- مصنوعة باليد وصاروخ موّجه إلكترونياً محرم دولياً. الترويج لخطة الإنفصال الآحادي الجانب لم يتزامن فقط وارتكاب مجزرة غزة - الأخيرة- بل تزامن ايضاً وقيام إسرائيل بتنفيذ العديد من الجرائم البشعة في حق الفلسطينيين خلال الشهور الماضية والتي لم تقتصر فقط على قتل المدنيين الأبرياء، وتدمير المنازل بل اتخذت منحناً آخر يتمثل بمسلسل تصفية أبرز قيادات المقاومة، ومحاصرة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وتصدير الخلافات إلى أروقة السلطة الفلسطينية كمحاولة لإشعال فتنة الخلاف التي لا تختلف كثيراً عن أبعاد «خطة الإرتباط» الرامية إلى إشعال حرب أهلية بين مختلف الفصائل الفلسطينية في فترة ما بعد الإنسحاب. وبالتأكيد فإن شارون لم يعٍ الدرس جيداً، لا من المقاومة الفلسطينية ولا من المقاومة العراقية التي أمرها يهمه كثيراً. ولم يتمكن حتى الآن من إستيعاب أبعاد تمكن فتاة إستشهادية فلسطينية من نسف مواقع حيوية في العمق الاسرائيلي رغم الإحتياطات الأمنية المشددة، وخلافاً لتوقعات شارون وقيادته العسكرية فإن إرتكاب مجزرة بشعة ليس بوسعه أن يقضي على المقاومة الفلسطينية ويثني سواعد ابنائها إلى الوراء، بل على العكس من ذلك تماماً، سيشتعل فتيل المقاومة وبالتالي ستنتقل المعركة إلى كل المدن الفلسطينية الأخرى. الاشلاء المتناثرة، وجثث الشهداء، وواقع الخراب والدمار الناجم عن إقدام إسرائيل على إرتكاب هذه المجزرة لم يحرك ساكناً للولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، ومجلس الأمن مقارنة بأزمة «دارفور» ولم يستدعي انتباه المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان التي سارعت مبكراً بالوصول إلى السودان، وأياً كان التحرك العربي الذي لا يقوى كثيراً على إتخاذ الحل اليوم. تبقى مطالبة المجتمع الدولي بالخروج عن صمته، والتنديد بالجرائم الاسرائيلية البشعة المرتكبة في حق الفلسطينيين هي المطلب الملح في الوقت الراهن. صحيح أن الفلسطينيين يعون جيداً أن مجزرة «غزة» ليست الاولى من نوعها، ولن تكون بطبيعة الحال الأخيرة. لكن تبقى أهمية بعث رسالة لإسرائيل مفادها بأن الحصانة الممنوحة لها اليوم لن تدوم طويلاً.. وهي ما يقرّ به التاريخ بنفسه، وستترجم الأيام القادمة حقيقة ذلك...