تعيش اليمن مرحلة بناء واهتمام بالتنمية وإرساء مواقف ايجابية في مساراته وهي محطات يستقرىء خلالها الشعب اليمني الشقيق المراحل التي قطعها ويعدها وسيلة استذكار للأحداث والمواقف والإنجازات ويتأمل المصاعب والمصائب التي مني بها اليمن السعيد مستخلصاً من مرارتها حلاوة الحاضر الزاهر والغد المشرق. واليمن التي مرت بظروف أرهقتها والتي صنع منها اليمانيون انتصارات بتكاتفهم وتطلعهم لمواكبة العصر واللحاق بالركب استشعاراً بضرورة نبذ الماضي بجراحه وظلاميته والخروج بعبر ودروس لبناء وطن يتسع للجميع ويحقق على أرض الواقع الحلم في استنهاض السواعد لمشروع يمن الحضارة ويوفر العيش الرغيد والحياة الهانئة يحدوهم الأمل بأن لديهم كل مسوغات النهضة. ولما تحقق لليمن أن تختار قائداً حكيماً لديه من الصبر والجلد والحنكة والحكمة اليمانية في فترة كانت الثورة تواجه مأزقاً حقيقياً ومفترقاً حاسماً بين بوادر الانتكاسة لتذهب تضحيات أبناءه أدراج الرياح وبين الأمل المنشود من قيام الثورة في الخروج إلى النور.. كان ذلك إيذاناً بميلاد الحلم الذي دفع لأجله اليمانيون ثمناً باهظاً. وكان المنعطف الذي تولى فيه الرئيس علي عبدالله صالح ليس بالهين في ظرف كانت فيه البلاد تعصرها الفتنة وكانت بمثابة بركان ينفث حممه موشكاً على الانفجار.. ولقد نجح في إخماده كما نجح في إعادة صياغة الثورة من خلال رؤية حصيفة تتلاءم مع متطلبات العصر وفتح باب اليمن على العالم. فإن كانت الأهداف التي قامت من أجلها الثورة تتبلور في الخروج من الوضع السياسي الجاثم على صدور الشعب والانفتاح على العالم متأثرين بحركة الفكر في مصر وبعض البلدان العربية فإن هذه الأهداف وكذلك الحركات التي استمدت منها ملامحها تعد في هذا الوقت ضوءاً شارداً أمام المتطلبات الحالية عاجزة عن مجاراة دولاب الزمن حيث أصبح لزاماً عليها البحث عن قراءة ثاقبة جديدة تمتلك الأدوات اللازمة للدخول في هذا المعترك. إضافة الى ذلك فإن النخب التي أدارت الثورة اصطدمت بنتاج العهد البائد الذي خلف لها الإشكالات والمآسي حيث تسلمت زمام أمور شعب قابع تحت وطأة الجهل والتخلف والإختلالات الناتجة عن ذلك والتي تبطل ترسيخ طموحها في إرساء السلوك الجمعي المتحضر وأنه من الصعوبة بمكان معالجتها بالأدوات نفسها التي نقضت العرش الإمامي. وفي اعتقادي بأن الفردية قد تنجح بإطاحة حكم ما في بلد ما يساعدها في ذلك مدى الثوابت التي تمتلكها ويعتمد على هشاشة الحكم ونقمة الشعب على الحاكم.. غير أن بناء الدولة وبمفاهيم هذا العصر هي بحاجة إلى عمل مؤسسات ضخمة تدير عجلة التنمية وتعالج الإختلالات وهنا يأتي دور النخب في إدارة هذه المؤسسات بما تمتلكه من فكر للنهوض بمشروع الدولة الحديثة.. كما أن التحول من مجتمع بدائي يعيش على الزراعة والرعي إلى المجتمع المدني لا يأتي من الرغبة والأماني أو حتى مشروع بدائي او عمل فردي ما لم توجد إدارة تتطلع إلى تحسين أدائها لتتمكن من النهوض بورش البناء. وما قام به الرئيس علي عبدالله صالح يجسد ما أردت الوصول إليه آنفاً حين تمكن من هيكلة مفهوم الدولة الحديثة وبناء مفاصل صلبه ومرنه في الوقت نفسه ترتكز عليها الدولة لتطور من أدائها وليس هذا فحسب ما يحمد له بل الأخذ بأسباب التطور والبدء بالجديد الحديث والاستفادة مما تقدمه مؤسسات المجتمع الدولي في تحسين وإنعاش الحياة في اليمن.. ولذلك فإن الشوط الذي قطعته اليمن في الداخل –من غير قفزات خاطفة تخل من توازنها وتفادي الإختلالات التي تنتج عن ذلك- جعلها قادرة على التأثير والتمازج والمشاركة مع محيطها الخارجي في فترة قياسية وجيزة. والمتأمل لليمن يرى أن مابين الأمس واليوم بوناً شاسعاً من خلال ما تحقق من إنجازات في التنمية وبناء الإنسان.. فقياساً على الأحداث والفتن والصراعات التي مرت بها البلاد فإن ما ماثل للعيان يعتبر إنجازا تنموياً كبيراً ودليل على الإرادة والقدرة على تجاوز إرهاصات الماضي. وليس إخماد الفتنة التي أراد من ورائها حسين بدر الدين الحوثي المساس بالنسيج الوطني سوى ومضة في مسيرة الرئيس علي عبدالله صالح وقيادته لسفينة اليمن في بحر متلاطم من الفتن والأهواء المتجسدة في أصحاب النفوس المريضة التي ترغب في العودة بالبلاد الى النفق المظلم.. لأنه حينما نهضت ورش البناء في جميع انحاء اليمن تعطلت معاول الهدم التي يعاودها الحنين للعمل مجدداً. واليمن اليوم اصبح نسيجاً واحداً وصوتاً واحداً وأصبح يقف أمام العالم بجسد فتي بعد أن كان مشطوراً الى نصفين وبعدما كان الموروث مختزلاً في صورة التخلف والبدائية أصبح الموروث اليمني ركيزة أساسية لبنيان اليمن الحديث وثروة حضارية تجلت روعتها في اختلاطها مع حداثة الحاضر وشهادة فخر واعتزاز للمواطن اليمني في الخارج.. والجنبية التي كانت سلاحاً للقتل والثأر بالأمس أصبحت اليوم شهادة الأصالة وإحدى عناوين التمسك بالموروث. واليمن اليوم أصبح له رؤية خاصة نحو قضايا أمتنا العربية والإسلامية ويسعى إلى رأب الصدع الذي تعاني منها الأمة والدعوة الواضحة والصادقة لاستجلاء الأخطاء ومعالجتها بواقعية لرفعة شأن الأمة ورقيها ووحدتها قلباً وقالباً قبل كل شيء. وما يشعرني بالغبطة هو ما لمسته في أن هناك خطاباً سعودياً يمنياً واحداً في السياسة الخارجية ورؤية واحدة حول الثوابت في جميع القضايا العربية والإسلامية والدولية والسبب في ذلك جلياً في نظري لأن البلدين ينطلقان من قاعدة الرغبة الصادقة في التعايش والواقعية الوسطية والتسامح والاعتدال. وخاتمة القول أرفع أجمل التهاني والتبريكات لليمن حكومة وشعباً في أعياد الخير والنماء وأسأل الله العلي القدير أن يسبع على اليمن السعيد نعمة الأمن والاستقرار والرفاه والتطور. انتهى *مدير مكتب وكالة الأنباء السعودية