كنت اتوقع ان يتحمس الناس مثلي لقضية هامة كتلك التي تخص طفل وأمه وتختصر في تفاصيلها الحزينة جوهر الصراع في عائلات كثيرة داخل المجتمعات التي تقوم فيها العلاقات على مفاهيم فجة للقوة والسلطة. وقد تفاعل ثلاثة أشخاص مع الحدث هما القارئ عبده الشوخي وكذلك القارئ فريد باعباد وهما يعيشان في السعودية. أحدهما حادثني هاتفياً فور انتهائه من قرأة المقال والثاني أرسل لي رأيه عبر البريد الالكتروني كما يفعل غالباً عندما يشعر ان موضوعاً ما يستحق التعليق. وكان الثالث هو الأستاذ عبد الواسع العلفي الذي يعيش في الحديدة ، وجميعهم يساندون فكرة الرفض لمثل هذه السلوكيات والواقع ان مرتكبيها ليس لهم عقاب. أما الأستاذ عبد الصمد القليسي الذي زار مكتبي ولم أكن متواجدة خلال مروره، فقد كان غاضباً من المرأة الأم التي لم تفعل شيئاً لأنقاذ ابنها بل انفطر قلبها قهراً وماتت. فهو يعتبرها إمرأة سلبية ويعتبر وقوفي معها تجنياً على جنس الرجال الذين يجب ان تكون لهم سلطة العائلة دون منازع أو نقاش. ليست هذه بالطبع هي كلماته بل هي ما فهمه الموظفون في مكتبي من أقواله. وقد ظننت أن مثل هذا التصور للموقف قد يكون محتملاً للتعبير عن كيف يرى البعض مثل هذه الأمور. وفي الحقيقة أن تفكيراً مثل هذا هو الذي يبرر استمرار السلطات المطلقة لكل الانظمة في الدنيا، من نظام العائلة في البيت الى نظام الحكم في الدولة. ولأننا نعيش في مجتمع ديموقراطي فإن التسليم بهذا الواقع هو رفض للتعايش الديموقراطي. فاليمن اليوم تناقش كل أشكال السلطة وتبحث عن القوانين الأكثر كفالة للحد من التعسف، لهذا نملك الدستور ونملك القوانين المنطلقة منه. والعائلة ليست نظاماً لجعل العنف مقبولاً تحت دعوى سلطة الرجال على النساء، لأن هؤلاء الرجال ليسوا دائماً أزواجاً، بل هم أيضاً أبناء وهناك سلطة للأمومة عليها قيود مماثلة لأية قيود أخرى تحد من العنف وترفضه. النوم في حالة الانكار: قال نبيل وهو قارئ نهم وقد كان ذات يوم من طلابي في مركز الدراسات النسوية بجامعة صنعاء: إن قصة الطفل مقطوع اليدين والأم ذات القلب الذي انفطر قهراً، هي قصة حزينة لكنها لم تحدث في اليمن بل حدثت في الكويت. وما يجعله ينزه اليمن عن قصة كهذه هو اعتقاده ان اليمنيين يلجأون الى الاعراف التي لا تسمح بهذا النوع من القسوة على الأطفال، ولا هذا الشكل من السلبية الذي تعيشه النساء. و قال: إنه بعد ان عرف ان القصة غير يمنية تمكّن بعدها من النوم وارتاح باله. وربما تكون قصة مماثلة قد حدثت في الكويت، لكن ذلك لا يعني انها لم تحدث في اليمن، فالمصدر هو ملحق الأسرة بصحيفة الثورة وهو مصدر حكومي رسمي مسؤول عن نقله للخبر. واستعدت في ذاكرتي مشاهد للقسوة، رأيتها بعيني في أماكن مختلفة من اليمن. أذكر فترة كنت فيها صغيرة وكانت القرى المحيطة بمدينة صنعاء هي مصائف تذهب اليها العائلات لقضاء الصيف و أكل الفواكه، التي كانت تسمى "خريف" رغم ان ليس لها علاقة بفترة الخريف، فصنعاء لها مواسم خاصة بها لاتشبه ما تعارف الناس عليه في مواقع أخرى. في إحدى تلك المناسبات كنت مع بعض أقارب بعيدين في علاقتهم مع أسرتنا، أخذتني جدتي لقضاء اسبوع معهم نتناول العنب من الحظائر مباشرة وفواكه أخرى كان موسمها. وذات صباح رأيت مشهداً لن أنساه. كنا نتناول فاكهة ما بعد الفطور التي تسبق الغداء بساعتين كما كان معتاداً. وكان هناك حوار قالت فيه الزوجة شيئا، فرد عليها الزوج بكلمة بدت مشروع غضب، فحاولت هي التوضيح وانتهى الأمر الى أن أشهد معركة غير متكافئة تم فيها استخدام كل القوة والعنف الذي لم يكن له مبرر. مضى الزمان ولقيتها ذات يوم وسألتها عمَّا جعلها تبقى بعد ذلك السلوك المرعب قالت لي إنها مسؤولية الأطفال وعدم وجود بيت آخر يأويها فلو ذهبت الى منزل أحد من اخوتها لعاشت مرحلة من الذل أكثر من ذل ضرب زوجها لها من حين الى آخر، وقد كانت محظوظة حيث انتحر زوجها وصارت أرملة رفضت أي زواج آخر, لأن ما كان قد صبرها على المرَّ هو الأشد مرارة. قانون غير مطبق: حتى مع كل سيئاته يظل قانون الأحوال الشخصية أفضل من قانون الغابة الذي يمارسه بعض الرجال. لكن هذا القانون لايتم الاحتكام اليه إلاّ في حالة الطلاق. الأسرة متروكة للأعراف في مجتمع الديموقراطية الذي تربط علاقات أفراده القوانين. قال عبده عائش إن فهم بعض الرجال لمعنى الرجولة هو الذي يجعل القوانين ضرورة لرفض أية سلطة مطلقة لأنها مفسدة مطلقة. وقالت الأستاذة رمزية الإرياني إنها في عملها في اتحاد نساء اليمن تسعى الى كل المشاريع التي من شأنها جعل النساء مستقلات اقتصادياً وقادرات على إعالة أنفسهن. وأن تلك الأم لوكان لها مصدر رزق لحررت نفسها وطفلها وذهبت بعيداً عن جبروته وظلمه. ترى ما هي وجهة نظر القراء؟. [email protected]