لم تهتم الاديان الوضعية- التي سبقت ظهور الاديان السماوية الثلاثة- ولم تهتم الديانات السماوية، والفلسفات وتعاليم المصلحين الاجتماعيين، بشيء كما اهتمت بالجانب الاخلاقي وأهميته في حياة الناس وتنظيم شؤونهم. وهذا مانجده جلياً من خلال بروزالجانب الاخلاقي، كعلم مستقل يدرس في المدارس والجامعات، على هيئة مادة علمية تسمى «الاخلاق النظرية والعملية» ومانجده جلياً ايضاً في التأكيد على اخلاقيات المهنة، وان تصير لكل مهنة من المهن اخلاقياتها وشرفها. وبما أن للمهنة اوالوظيفة العامة أخلاقها، وللفرد أخلاقه التي يتقيد بها في اطارالتمسك العام بالقيم والصفات الحميدة فان من المصلحة العامة، أو من الضروري الفصل بين هذين النوعين من الأخلاق. أي على كل من يتبوء موقعاً قيادياً أو وظيفياً، أن يفصل بين اخلاقياته كمواطن، وكمسؤول- فهو كمواطن أو فرد في المجتمع من حقه أن ينظرالى الاقربين على انهم أولى بالمعروف، وان يجامل جاره او صديقه ويقف بجانبه الى أقصى حد ممكن، وأن يكون الحياء من سمات تعامله مع الغير، وأن يغض الطرف عن هفواتهم وأخطائهم بقدر مايستطيع، وغير ذلك من المجاملات التي قد تكون مستحبة منه كمواطن وعضو في المجتمع، لأنها تدل على أخلاقه وتسامحه وحبه للخير. وليس من حقه كمسؤول، أو موظف، ان يتعامل بنفس أخلاق المواطن العادي، فيجلب الخير ويمنح الامتيازات للأقرب اليه على حساب الغير، أو أن يمايز بين الصديق وغير الصديق، بين من يعرفه ومن لايعرفه، أو أن يجامل ويستحي في الحق العام، وتطبيق القوانين بين الجميع على السواء..الخ. فما هوايجابي ومقبول من الفرد- كمواطن عادي- في تعامله مع الغيربدافع التمسك بمفاهيم فضائل الأخلاق، يكون ضاراً وهداماً، اذا خلط بينه وبين فضائل الاخلاق التي عليه ان يتحلى بها كمسؤول او موظف، لأن هناك فعلاً بين أخلاقيات المهنة، واخلاقيات السلوك العام.. وعدم الفصل بينهما يخلط بين الايجابي والسلبي، الجميل والقبيح، بين محبة الناس والمجاملة والمحسوبية، بين قول الحق وإقامة ميزان العدل فوق الجميع وبين الإخلال بالواجب والاستهتاربشرف المهنة وأمانتها. نكتفي بهذا لنقول:إن من أهم عوامل النجاح في الاصلاح الاداري وشؤون الدولة بشكل عام، التمييز بين أخلاقيات المهنة والمسؤولية وأخلاقيات السلوك العام كمواطن عادي.