هذا المال الذي تصرفه كل يوم، هل تلفت نظرك أدواته؟ ورقة نقدية أو عملة معدنية، تمنح الأشياء من حولك قيمة، وتصبح هي نفسها في حد ذاتها قيمة. كان بعض المفكرين يعتقدون أن الإنسان الأول بدأ جملته الأولى بالقول "أنا أكون"، ثم بعد زمن طويل قال" أنا أملك" وبعد أزمنة أطول اكتشف الإنسان أن وجوده صار مرهونا بما يملك. الحديث عن المال وسيادته على البشر قصة طويلة لا أنوي أن أخضع لإغراء التفلسف حوله في هذه الزاوية. لكن الحديث عن ورق المال ومسكوكاته المعدنية هو ما أريد اشراككم فيه. أريد منكم ان تتأملوا معي بقشة مصنوعة من الألمونيوم قيل إنها صنعت من بقايا أول طائرة إيطالية تم شراؤها بنقود فضية يمنية وسقطت بعد إقلاعها بدقائق حاملة معها أرواح بعض خريجي الطيران اليمنيين الأوائل الذين تعلموا كيف يطيروا فقط ولم يتعلموا كيف يقومون بتركيب الطائرات والتأكد من سلامتها قبل الاقلاع. كم من ملايين البقش تناثرت من بقايا الطائرة بعد أن تم تذويب الجزء المعدني منها؟ ولماذا اليوم رغم كل المعادن التي تتكسر في الشوارع والطرقات من السيارات ومن بقايا التنك-لوجيا التي نشتريها في كل شيء، لا نقوم بتذويبها ولا نعيد تصنيعها بقشا أو فؤوساً أو محاوي قمامة؟. لماذا أحدثكم عن هذه البقشة العجيبة؟ أولا لأن القصة تعجبني فهي مغرية بالكتابة عنها. وثانيا لأن هذه البقشة ستكون ضمن العملات التي ستعرض في شهر أغسطس ضمن معرض رداء الدولة ومكونات الهوية، والذي تقيمه مؤسسة برامج التنمية الثقافية في بيت الثقافة بصنعاء. وثالثا، لأن صحة القصة من عدمها لا تزال بحاجة للتأكد واتمنى من القراء الذين يملكون معلومات صحيحة عن بقش الألمنيوم التي صنعت في اليمن خلال الأربعينات من بقايا الطائرات أن يوافوني بها. مهر البنات قراطيس: في مطلع الستينات صدرت في شطر من اليمن أول عملة ورقية، يتداولها الناس. وترددت في البيوت الأغاني والأهازيج المؤيدة والمعارضة للثورة والجمهورية وكان منها مطلع أغنية يقول" جمهورية تدخل من الشواقيص. هذي السنة شرط البنات قراطيس"، والمقصود بذلك أن الجمهورية تفرض نفسها حتى تتخلل أي فتحات تهوية ولو تم إغلاق النوافذ والأبواب أمامها، كما أنها ستجعل الحياة رخيصة حتى إن المهر والشرط للزواج سيكون مجرد ورق. وقد تعود الناس على القراطيس النقدية وصارت لها قيمتها، وتعود الناس على الجمهورية وصارت نظام حياتهم. لكن العملة الورقية اليمنية تستحق التأمل. ففي كل ريال، وكل دينار، هناك عدد كبير من التفاصيل التي نسير عليها عابرين حتى يأتي شخص مثلي ذات يوم فيطلب منكم إعادة النظر فيها والتحديق قليلا في نقطة منها على الأقل. أرغب اليوم معكم ان أستعرض التوقيعات لهؤلاء الأشخاص الذين يتحملون مسؤولية اصدار هذه الأوراق. ففي الدينارات ألاحق الأسماء من عبدالباري علي بازرعة الذي يظهر توقيعه مرة بجوار البريطاني جون أوين، ومرة أخرى بجوار البريطاني ج.ل. آيرلند، إلى سالم محمد الأشولي وبجواره مرة محمود سعيد مدحجي، ومرة أحمد ناصر الدنمي، والتوقيعات تتغير لكن الخلفية والرسوم واحدة. وأسأل نفسي رغم ان النظام السياسي تغير فإن وجه تلك العملة لم يتغير، فما السبب؟ وفي الريال تزيد أعداد التوقيعات، فمن أحمد الرحومي الذي يظهر توقيعه مقلوبا على أول عشر بقش وعشرين بقشة ورقية جمهورية، الى عبد الغني علي، وأول ريال للجمهورية العربية اليمنية. ثم تسير القافلة من أحمد عبده سعيد، وعبد العزيز عبد الغني، وعبد الله محمد السنباني، ومحمد أحمد الجنيد، وعلوي صالح السلامي، إلى محافظ البنك الحالي أحمد عبد الرحمن السماوي. وريالات ما قبل الوحدة تشبه ريالات ما بعد الوحدة. فما السبب؟ وأسأل نفسي أيضا ترى ماذا كان شعور كل هؤلاء وهم يوقعون هذه العملة؟ وأنوي أن أجمع منهم من يقبل أن يأتي في ندوة ضمن فعاليات معرض رداء الدولة كي يحدثنا عن خبرته وتجربته ومشاعره وذكرياته التي ارتبطت بأول مرة وقع فيها على هذه العملة. لماذا مثلا حدث قلب توقيع الأستاذ أحمد الرحومي؟ ولماذا مثلا غير الأستاذ عبد الله السنباني توقيعه في المرة الثانية؟ نداء للقراء: أرجو من جميع من يقرؤون هذا المقال ولديهم معلومات عن العملات اليمنية، والطوابع وصور الرؤساء والسلاطين والأئمة، وشعارات الدولة، وأناشيد السلام الوطنية، والأعلام، أن يكتبوا لي عنها، لأن هذا عام الوثائق والتوثيق في اليمن، ولأن معرض رداء الدولة ومكونات الهوية، يعتمد على تعاون الناس أنفسهم في نجاح عمل لم يسبق له مثيل. إن فهمنا لماضينا هو أداتنا للتجمع من أجل المستقبل، وتصحيح صورتنا أمام أنفسنا هي طريقنا للدفاع عن الهوية في زمن العولمة. فمن ليس له ماضٍ لا يملك أن يصنع مستقبل. . [email protected]