لم تكن ثورة 26سبتمبر مجرد حدث عابر في حياة شعبنا أو مجرد انقلاب عسكري قام به مجموعة من العسكر، ينشدون السلطة من خلاله، أو مجرد مغامرة غير محسوبة العواقب للقضاء على نظام معين ... لكنها كانت قبل أي شيء آخر حدثا إنسانيا أحيت شعبا من الموات ، وانتزعته من ظلمات بعضها فوق بعض إلى نور الدنيا ، وأخرجته من باطن الأرض بعد أن كان مدفونا فيها إلى سطحها ليحيا كبقية خلق الله حياة إنسانية كريمة سوية... ولذلك لايمكن لكل من في نفسه ذرة حب لهذا البلد أن يسيء لذكرى هذه الثورة أو يقلل من شأنها أو ينساق بلا وعي وراء أولئك الذين يسفهونها فمن لايعرف قيمة هذه الثورة ومعنى هذه الثورة لايعرف شيئا عن تاريخ هذا البلد العريق ولايعرف شيئا عن معاناته في ظل حكم الأئمة ... وأعلم أن هناك من مخلفات عهود الإمامة ودعاتها من يستغل أزمتنا الإقتصادية وتدهور أحوالنا المعيشية فيغررعلى البسطاء وعلى شبابنا بأن الثورة فقدت معناها وقيمتها وأن الاحتفال بذكراها أمر لا معنى له تماما كما يفعل دعاة الانفصال والتجزئة عندما يشككون في جدوى الوحدة وقيمتها لنفس الأسباب فيقولون للبسطاء والشباب أن الأوضاع الاقتصادية كانت جيدة قبل الوحدة وأنها لم تتدهور إلا بعدها ... وفي تصوري أنه مهما كان تأثير مثل هذه الأساليب فإنها لاتعدو إن تكون مؤقتة وأن هذا التأثير سيزول عاجلا أم آجلا لأن ما ينفع الناس كالوحدة والتحرر من الاستبداد يمكث في الأرض أما زبد الإمامة والتجزئة فيذهب جفاء!! أعلم كذلك أن عشاق الإمامة يغررون على الشباب وبسطاء الناس بأن كل من يحذر من مخاطر الفكرة الإمامية ويذكر بمساوئ عهودها إنما يضيع وقته ويشغل الناس بمعارك جانبية تلهيهم عن القضايا الأساسية - بحسب زعمهم - وأن الإمامة لايمكن أن تعود...وأقول لهم نعم فالإمامة لن تعود بثوب بيت حميدالدين ولن تعود بنفس الثوب التقليدي الذي عرفه الناس أو قرأوه في كتب التاريخ ، لأن دعاة الإمامة الجدد يعلمون أن تلك الصيغة لم تعد تتفق مع ظروف العصر ومتغيراته ... وبعد أن ظلوا يقنعوننا بصحة وجهة نظرهم - رغم أن كل الشواهد كانت تؤكد العكس وبالذات نشاطهم الواضح منذ قيام الجمهورية اليمنية في 22مايو 1990م مستفيدين من مناخات التعددية والحرية – فقد جاءت حركة حسين بدرالدين الحوثي لتكشف كل مخططاتهم وتؤكد أن الحلم كان وسيظل قائما مهما نفوا ذلك عن أنفسهم ومهما حاولنا أن نجد لهم مبررات وأن نغالط أنفسنا! وقبل أن يوجه أحدهم حديثي في غير مقصده لابد أن أؤكد أني لاأقصد عرقا أو سلالة معينة كما لاأقصد مذهبا معينا بل إن ما أقصده تماما هم أولئك المؤمنون بالفكرة الإمامية نفسها وهؤلاء ليسوا من عرق واحد أو حتى من مذهب واحد ... وبوضوح أكثر ومن خلال خبرة متواضعة وتجربة تمتد لعام 1991م فإن حملة الفكرة الإمامية يمارسون أحد أسوأ أنواع الإرهاب الفكري على كل من يتصدى لفكرتهم فيصورونه عدوا لإخواننا الهاشميين من أتباع المذهب الهادوي، وأنه يتقصدهم بالإساءة وأنه يحرض ضدهم ويصورونه عدواً للمذهب الهادوي وأنه يريد القضاء عليه واستئصاله، وكل ذلك بهدف إثارة تعاطف الهاشميين وأتباع المذهب معهم ومن ثم مع الفكرة ... ورغم أن هذا الأسلوب مكشوف تماما إلا أن البعض وقعوا فريسة له دون أن يقرأوا ويتدبروا صحة الكلام من عدمه لكني أظن أن قضية الحوثي والفتنة التي أشعلها قد جعلت الكثير ممن غرر عليهم دعاة الفكرة الإمامية يستيقظون ويدركون فداحة وخطورة ما فعله الحوثي وكل الذين وقفوا معه على الوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي...وقد حدثني أحد الجيران القدامى لأسرتي وهو من أسرة هاشمية كريمة متحسراً عن دورالحوثي وجماعته في توريط إثنين من أولاده في الانضمام لمجموعة الشباب المؤمن وأخذ يدعو عليه ويأمل أن يخرج ولداه من هذه الورطة قريبا، مؤكداً أنه وأسرته ليسوا ممن يؤمن بهذا الفكر المريض ، وهم بالفعل كذلك كما أعرفهم جيدا بحكم سنوات الجيرة الطويلة. لقد قلنا دوما ومن أول لحظة تناولنا فيها هذا الفكر المتخلف بأننا لانقصد عرقا أو مذهبا لأن الإساءة للأعراق والأنساب أمر يصادم الدين ونصوصه ومقاصده وهو كذلك يتناقض مع قيم الوحدة الوطنية ويتصادم مع كل القيم الإنسانية ... كما قلنا من أول لحظة أننا لانقصد المذهب الهادوي كمذهب لسبب بسيط هو أن المذهب - أي مذهب – يتكون في معظمه من مجموعة من الآراء الفقهية التي تنظم عبادات الفرد ومعاملاته وهي أمور لا مشاحة فيها ولايمكن أن تكون محل خلاف لدى عقلاء الناس خاصة أن هذه الأمور الفقهية محل خلاف بين كل المذاهب الإسلامية منذ وجدت هذه المذاهب لكنها باعتبارها أمورا فرعية لم يحدث أن ترتب عليها شقاق وصراع في مجتمعاتنا الإسلامية التي ظلت تتعايش فيما بينها رغم حالات التعصب المذهبي التي كانت تزداد حدتها في ظروف انتشار الجهل والأمية حيث يصبح المذهب في أذهان بسطاء الناس وعوامهم هو الدين وليس مجرد اجتهاد في الدين! وإذن فإن المشكلة لدينا هنا في اليمن تكمن في الفكرة العنصرية التي قام الأئمة بتأصيلها شرعا لتصبح جزءا لايتجزأ من الدين ، ومن ثم يصبح الخروج عليها أو توجيه النقد لها نوعا من أنواع الكفر البواح ... وحين تصبح العنصرية جزءا من الدين فإن أتباع هذا الدين يقبلون تلقائيا بالخنوع والخضوع والتبعية الذليلة لبشر مثلهم تصبح لهم كل الحقوق دون أي واجبات في حين ألا حقوق تذكر لأولئك الأتباع سوى حق الحياة بهدف خدمة من يفوقونهم عنصرا ... فأي دين هذا الذي يفرق بين أتباعه وفق أعراقهم وأحسابهم وأنسابهم؟! وما الفرق بينه إذن وبين الديانات التي يفترض أنه جاء لينقضها ويصحح اعوجاجها؟! وما قيمة دين يعطي الحق لبعض أتباعه في الحكم والعلم ويمنع هذا الحق عن البعض الآخر؟! تعالى الله علوا كبيرا وهو أعدل العادلين أن يكون هذا هو الدين الذي أرسله لعباده. ولأن العنصرية فكرة شاذة مصادمة للفطرة السوية فإنك حين تنتزعها من الدين ومن المذهب ستجد الدين سويا وستجد المذهب سويا ... ولا فرق إطلاقا بين نص يريد تأصيل الحكم لقبيلة معينة ونص آخر يريد تأصيل الحكم لسلالة معينة ذلك أن كلا النصين يكرسان التمييز والتفرقة العنصرية في الأمة وينحرفان بها عن المقاصد الشرعية التي جاء الإسلام ليؤسس لها ويرسخها ويقدم من خلالها أنموذجا لأمة تسود فيها قيم الحرية والمساواة والعدالة والشورى وهي المبادئ التي تقف على النقيض تماما مع العنصرية ... فهل يعقل أن يتضمن الإسلام تلك المبادئ العظيمة ونقيضها في آن واحد؟! [email protected] [email protected][email protected]