فضيلة الديمقراطية وقاعدتها لادارة الاختلافات والتباينات مهما عظمت، والحوار هو معيار النضج السياسي المعبر عن وعي عالٍ في استشعار المسؤولية الوطنية لاسيما في هذه المرحلة التي تقتضي من كل شركاء الحياة السياسية في الساحة اليمنية التواصل والتلاقي ووضع كل القضايا والموضوعات على طاولة الحوار الذي هو البديل المنطقي والموضوعي للشطط والتشنج والمكايدة والمزايدة التي عادة ما تخرج التفكير عن الفهم الصحيح والسليم للطرف الآخر وتخلق صورة مشوهة لطبيعة وحجم القضايا والمشاكل التي قد تبرز كنتيجة طبيعية في سياقات العملية الديمقراطية مع ان حلها سهل وبسيط.. والتعقيدات ظاهرة لها مصدرها المتمثل في الشعور بامتلاك الحقيقة واحساس ان مايقوله صواب مطلق وان مايقوله الآخر خطأ مطلق ينتهي بنا المطاف الى الوقوف على طرفي نقيض مع الديمقراطية بمفهومها السياسي التعددي واشتراطاته التي تعني احترام الرأي الآخر والعمل على اتاحة فرصة التعبير أمامه كاملة مادامت المصلحة الوطنية غايته بغض النظر عن مدى الاختلاف معه.. في هذا الاطار جاءت دعوة فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح المتكررة للأحزاب والقوى السياسية للحوار.. واستجابة احزاب المعارضة تعني ان هناك استيعاباً مشتركاً لضرورة الحوار وادراك متبادل لموجباته في هذه المرحلة التي يقف فيها الوطن وابناؤه على عتبات الاستحقاق الدستوري الديمقراطي الانتخابي الرئاسي والمحلي في سبتمبر المقبل، وبكل تأكيد اذا توافرت الجدية والمسؤولية بين الاطراف المتحاورة فان الفهم والتفاهم الخالي من أي إلتباس هو النتيجة المنطقية والمحصلة النهائية التي تصب في صالح الجميع سلطة ومعارضة وقبل هذا وبعده لمصلحة الوطن ونهجه الديمقراطي، وبدون شك ان ذلك سيؤدي الى مشاركة فاعلة للجميع في العملية الانتخابية يضمن اجراؤها في مناخات حرة تتسم بالشفافية وفي أجواء آمنة ومستقرة يتحقق فيها تكافؤ الفرص للجميع التي يكلفها الدستور والقانون في كافة مراحلها يوم الاقتراع.. من خلال ذلك يسهم الجميع ايضاً في ترسيخ الديمقراطية التعددية والارتقاء بها الى مستوى الفعالية التي يتطلبها البناء المؤسسي الديمقراطي في بنيته الهرمية من القمة الى القاعدة للدولة اليمنية الحديثة والذي لايمكن أن يأتي الا عبر الحوار البناء الجاد والمسؤول المعبر عن قدرة القوى السياسية بمختلف اطيافها ومشاربها الفكرية والسياسية على التعاطي مع التعددية السياسية والحزبية بروح ديمقراطية تلبي متطلبات مضامين التداول السلمي للسلطة على نحو يعكس فهماً راقياً للتنافس الديمقراطي الذي لايعني بأي حال من الاحوال الخصومة بقدر مايعني الاستعداد للمساهمة في بناء وتقدم الوطن وازدهاره وفقاً لرؤى برنامجية على اساسها يسعى كل حزب للحصول على ثقة الناخبين التي تمكن كل مرشح حزبي أو مستقل من تنفيذ هذا البرنامج ومن خلال ذلك خدمة اليمن وابنائه. ان الحوار ينبغي ان يكون بين قوى واعية بمهامها وواجباتها تجاه الديمقراطية والتنمية والنهوض الوطني الشامل وبعيداً عن أي تمترس وراء اي مواقف او رؤى مسبقة والا اصبح اشبه ما يكون بحوار طرشان أو تكون والمشاركة في الحوار تهدف الى تسجيل المواقف حتى لايقال عنها انها ترفض الحوار لاسيما وان هناك مبادرات.. وحتى يقال عنها انها داعية للحوار، ثم تأتي بأجندة عملت بنوايا افشاله وايصاله الى طريق مسدود من جولته الاولى، ثم تخرج الى الناس لتقول ان الحوار فشل بسبب عدم تسليم الطرف الآخر بأطروحاتها مع ان الحوار في دلالاته يعني طرح رؤى وافكار وتصورات لقضايا محل نقاش تفترض الأخذ والرد ومن ثم الوصول الى قواسم مشتركة يتفق عليها الجميع عبر معالجات تأخذ في الاعتبار مصالح كل الاطراف وتكون نتائجه خلاصة لوجهة نظر المتحاورين في نقاطه التي هي محل اتفاق. ومن الأهمية بمكان الاشارة الى أن موضوعات الحوار محددة تجعل مساحة الاختلاف ضيقة ومساحة الاتفاق واسعة بحيث يكون اي فشل للحوار واضحة اسبابه والمتسبب فيه، والأهم من هذا كله ان هناك بوادر تؤكد ان الحوار هذه المرة يختلف عن المرات السابقة في كون كل المشاركين فيه يهمهم كثيراً انجاحه ولدى الجميع استعداد على الاستيعاب والقبول بمطالب الآخر وتفهمها والتعامل معها بجدية والاتفاق على كل مايؤدي انجاح الاستحقاق الديمقراطي القادم مادام الدستور والقانون الحرية والشفافية والنزاهة الضامن لها وهذه مسؤولية كل اطراف المنظومة السياسية والتي ينبغي ان تكون عند مستوى التحديات المفروضة على الوطن وان تجعل من الحوار جسوراً للتواصل والتفاهم ولكل ما فيه خدمة الوطن وتحقيق مصالحه العليا.