تكتسي الدورة الاستثنائية التي يعقدها المؤتمر الشعبي العام صباح اليوم أهمية خاصة، إذ أن عليها أن تحسم الجدل الدائر حول مرشح المؤتمر للانتخابات الرئاسية القادمة المقرر إجراؤها في سبتمبر المقبل، وذلك عن طريق الوقوف على معطيات الواقع بحقائقها وشواهدها وتحديات المرحلة الراهنة بمتطلباتها وبتفاعلاتها وملامحها الأساسية، وكذا التمعُن أيضا في استحقاقات المستقبل وما تستوجبه من استعدادات وإشتراطات لتحصين الذات الوطنية من العواصف المحتملة أو الطارئة.. خاصة في ظل الأوضاع غير المستقرة على الساحتين الإقليمية والدولية. حيث أن هذه القضايا وإن كان من الهام جدا مناقشتها في الدورة الاستثنائية للمؤتمر الشعبي العام، فإن الأهم من ذلك يتمثل في كيفية استيعاب مفردات ما يتصل بهذه القضايا وبناء الأفكار عليها في سياق منهجي ورؤية عقلانية تضع الجميع.. أكانوا داخل المؤتمر أوفي الأحزاب الأخرى أمام مقتضيات الضرورة التي لا مجال فيها للعاطفة أو لأية أطروحات غير متوازنة تبني مواقفها على التخمينات والإيحاءات القاصرة. وفي ضوء هذه المحددات يتضح تماما أنه لن يكون هناك من خيار أمام المؤتمر الشعبي العام سوى الإصرار والتشبث بما سبق وأن أقره في مؤتمره السابع في مدينة عدن نهاية العام الماضي، والذي أكد فيه تمسكه الشديد بقيادة فخامة الرئيس علي عبدالله صالح باعتباره القائد الكفء والشخصية السياسية الفذة التي يعَّول عليها مواصلة مسيرة البناء والإنجاز، والسير بهذا الوطن نحو شواطئ الأمان والتقدم به بخطى سريعة نحو آفاق المستقبل الوضاء والمشرق. وبالقدر الذي تتضاءل فيه الخيارات أمام المؤتمر الشعبي العام، سوى من خيار واحد هو إقناع فخامة الرئيس علي عبدالله صالح بالعدول عن قراره بعدم الترشح، والاستجابة للمطالب الشعبية والجماهيرية الواسعة، فإن حدود تلك الخيارات هي من تتضاءل أيضا أمام المواطن اليمني الجسور علي عبدالله صالح، الذي لا شك وإنه سيجد نفسه مضطرا للتنازل عن حقه الشخصي المتمثل في رغبته بأخذ قسطٍ من الراحة بعد مشوارٍ كبير من العطاء والبذل والكفاح والمعاناة والسهر من أجل خدمة وطنه وأبناء شعبه.. وذلك تحت ضغوط شتى، لعل أهمها أن هذا القائد الحكيم لم يعد ملكا لنفسه بل صار ملكا لكل أبناء الوطن إن لم يكن بالفعل أبا لمجموع العائلة اليمنية الكبيرة بمن فيهم أولئك الذين يحلمون ويتطلعون لمنافسته على كرسي المسؤولية. وبعبارة أدق فإن الحق الشخصي المكفول للرئيس علي عبدالله صالح هو من أصبح مشفوعا بالمصلحة الوطنية العُليا ومرتبطا بصلة وثيقة بطموحات أبناء الشعب اليمني الذين خاضوا تحت قيادته ملاحم مسيرة بناء اليمن الحديث وصنعوا معه أعظم الإنجازات والتحولات والانتصارات العظيمة، وحققوا معه الكثير من المعجزات التي كانت في طي الأحلام وغدت اليوم شواهد حية، أفردت لليمن مكانة متميزة في الخارطة الإقليمية والدولية. وعليه فإذا كُنا لسنا بحاجة لاستعراض ما تحقق للوطن من إنجازات، باعتبار أن هذه المنجزات والتحولات هي من باتت تتحدث عن نفسها.. فلا نبالغ إذا ما قُلنا أن الجميع هو من يدرك بأن العنصر الأساسي الذي حرك تلك المسيرات الجماهيرية الحاشدة والمهرجانات المتواصلة في عموم محافظات الجمهورية، والتي تدعو الأخ الرئيس بالعدول عن قراره وترشيح نفسه، ليس التأثير الحزبي أو غيره من الحسابات السياسية، وإنما كان الدافع الأول في ذلك هو إحساس جميع اليمنيين بأن حاجة الوطن اليوم لاستمرارية قيادة هذا الزعيم، هي أكثر الحاحا من أي وقت مضى، لما لمسوا فيه من قدرات وحنكة قيادية متميزة، فضلا عن ما يتمتع به هذا الرجل من خبرات وكفاءة ومهارات إدارية وسياسية استطاع من خلالها إعادة وحدة الوطن اليمني وترسيخ مداميكها القوية ليغدو هذا المنجز التاريخي العظيم ثابتاً أصليا من ثوابتنا الوطنية، إلى جانب أنه الذي أرسى نهجاً ديمقراطياً تعددياً أضحى مدرسة يتعلم منها الآخرون أسس نظام الحكم الديمقراطي ويهتدون منه بمهارات التطبيق لمبدأ «حكم الشعب نفسه بنفسه». وليس من المزايدة أيضاً إذا ما قلنا أن استمرار قيادة الرئيس علي عبدالله صالح يشكل ضرورة وطنية وإقليمية ودولية، خاصة وهو من عهدنا فيه الحكمة وانتهاج السياسات العقلانية التي أسهمت في حلحلة الكثير من القضايا وردم بؤر الخلافات على المستوى العربي والإسلامي والدولي، بل وكان لها الفضل البارز في تعزيز التضامن والتكامل بين الأشقاء، إلى جانب أن الأخ الرئيس هو من عرف بمواقفه مدافعا صلباً عن قيم التسامح والحوار والشراكة المتكافئة بين الشعوب والمجتمعات، ليرفع بهذا النهج من سمعة اليمن ويعلي من شأنها بين الأمم.. فبالحكمة فقد سجل الأخ الرئيس علي عبدالله صالح أروع الصفحات في تاريخ اليمن إنجازا وتنمية وتحديثا نقلت هذا البلد إلى مصاف الدول النامية بكل ما يرتبط ذلك من سمات وخصائص. قال تعالى: «يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ» «صدق الله العظيم».