تتابع اسرائيل اعتداءاتها على لبنان بطريقة تؤكد ان الهدف تدمير البلد الصغير على رؤوس ابنائه وليس استعادة جندييها. يحصل ذلك في ظلّ شبه صمت عربي وضوء اخضر دولي. كان افضل تعبير عن الضوء الاخضر الدولي المعطى لاسرائيل تاخر مجلس الامن التابع للامم المتحدة في اتخاذ موقف من ضرورة وقف النار ووضع حدّ للجرائم الاسرائيلية. كيف يمكن للمجتمع الدولي ممثلاً باعلى هيئة تتكلّم باسمه هي مجلس الامن تجاهل ان هناك عملية تدمير منظّمة لبلد صغير ايّا كانت الاسباب التي تستند اليها الجهة التي تمارس عدوانها لتبرير ما تقوم به؟ في استطاعة مجلس الامن طرح سؤال في غاية البساطة على نفسه هو الآتي: ما العلاقة بين قصف ميناء بيروت او ميناء جونية او ميناء طرابلس او منطقة البترون او مطار بيروت او شمال لبنان ومصانع انتاج الكهرباء والجسور بالمواجهة مع «حزب الله»؟ ما علاقة عملية التدمير المنظمة والمدروسة للبنية التحتية للبنان باستعادة الجنديين اللذين اسرهما «حزب الله»؟ من الواضح ان لدى اسرائيل اجندة خاصة بها يصعب التكهّن بها او كشف تفاصيلها. الشيء الوحيد الاكيد في هذه الاجندة ان المطلوب تدمير لبنان وكانّ هناك حساباً قديماً لا بدّ من تصفيته مع هذا البلد بحجة انه قاوم الاحتلال وبذل الغالي والرخيص من اجل استعادة اراضيه المحتلة وتحريرها... هل تستطيع اسرائيل استعادة هيبتها بمثل هذه الاعمال الوحشية التي يفترض في العالم المتحضر ادانتها؟ الاكيد ان ليس بمثل هذه الاعمال يمكن لاسرائيل استعادة هيبتها. بعدما توضح الهدف الاسرائيلي الذي يتلخص بالرغبة في متابعة العدوان على لبنان، ثمة مسؤوليات تترتب على اللبنانيين اوّلاً في مواجهة العدوان. قبل كلّ شيء، من واجب اللبنانيين في هذه المرحلة التحلّي بالوحدة الوطنية التي لا بديل منها في حال كان المطلوب التطلّع الى مرحلة ما بعد العدوان الاسرائيلي. هذا ليس وقت توجيه اللوم الى هذا الطرف او ذاك بغض النظر عما اذا كان «حزب الله» ارتكب خطا كبيراً عندما اختار هذا التوقيت بالذات والمكان غير المناسب لخطف جنديين اسرائيليين مخترقاً ما يسمّى «الخط الازرق». هذا الخط الذي يعتبره مجلس الامن الحدود الدولية بين لبنان واسرائيل. كان في استطاعة الحزب خطف الجنديين في منطقة مزارع شبعا التي هي موضع نزاع بين لبنان واسرائيل وهو نزاع يتفّهم المجتمع الدولي حساسيته وابعاده نظراً الى انه نزاع قائم بالفعل خصوصاً بعد الاتفاق الذي توصّل اليه اللبنانيون في ما بينهم على ان المزارع لبنانية وانها لا تزال محتلّة. المطلوب في هذه المرحلة الوقوف مع لبنان. وعلى اللبنانيين قبل غيرهم الوقوف مع لبنان وان يكونوا موحّدين في مواجهة العدوان الاسرائيلي الذي يبدو ان لا حدود او ضوابط له. لا بدّ من اعطاء الاولوية للوحدة الوطنية بعيداً عن اي نوع من التجاذبات والمساعي الهادفة الى تصفية الحسابات. وبكلام اوضح، ليس في استطاعة اي طرف لبناني الاستفادة من العدوان الاسرائيلي، على العكس من ذلك، ثمة مخاوف حقيقية من ان تكون لهذا العدوان، في غياب الوحدة الوطنية الحقيقية، نتائج في غاية السلبية على لبنان. هناك بكلّ صراحة مخاوف من انقسامات في العمق بين اللبنانيين نتيجة ما قامت به اسرائيل وشعور هذا الطرف او ذاك ان لا مجال لاستمرار العيش المشترك في اطار لبنان الكبير، اي لبنان الحالي، لبنان ال 10452 كيلومتراً مربّعاً. لا بد من الاعتراف بان كلاماً يدور في الاروقة السياسية اللبنانية وغير اللبنانية عن صعوبة ابقاء الصيغة اللبنانية حية ترزق في ضوء النتائج التي ستترتّب على العدوان الاسرائيلي في حال استمرار التجاذبات السياسية. انّه كلام عن ضرورة تقسيم البلد في حال كان مطلوباً ان يبقى على قيد الحياة في مرحلة ما بعد العدوان الاسرائيلي. ومن هذا المنطلق، يبدو ضرورياً اكثر من ايّ وقت المحافظة على الوحدة الوطنية والموقف الموحّد من العدوان الاسرائيلي بعيداً عن اي نوع من المزايدات، كون النتائج التي يمكن ان تترتب على غياب مثل هذا الموقف في غاية الخطورة عل مستقبل لبنان ووحدة اراضيه وسلامتها. هل من يريد تفهّم ذلك واستيعاب خطورة العدوان الاسرائيلي على التركيبة اللبنانية الفريدة من نوعها؟ انها تركيبة تشكل مصدر قوة للعرب ولبنان لكنّها ايضاً تركيبة هشّة متى اختلف اللبنانيون في ما بينهم. ولانّ التركيبة اللبنانية الفريدة يمكن ان تكون مصدر قوة للعرب ايضاً نظراً الى ان لبنان مرشح لان يكون نموذجاً للدولة الديموقراطية البعيدة عن العنصرية ولصيغة العيش المشترك خلافاً لما تمثله اسرائيل العنصرية، كان اكثر من ضروري ان يفعل العرب شيئاً. ما اقدم عليه العرب حتى الآن ليس كافياً. اكثر من ذلك، انه ينمّ عن سوء فهم للوضع اللبناني وذلك بغض النظر عن مدى التورط الايراني في القرار الذي اتخذه «حزب الله» بخطف الجنديين الاسرائيليين، اقلّه لجهة التوقيت. ليس من مصلحة العرب في هذه المرحلة لعب اي دور في زيادة الانقسامات اللبنانية. اكثر من ذلك ان تقديم مساعدات مالية الى لبنان لا يمكن ان يغطّي في اي شكل الانقسامات اللبنانية. على العكس من ذلك، لا بدّ من التفكير جدّياً في كيفية الاستجابة لدعوة الرئيس علي عبدالله صالح الى عقد قمة عربية في اسرع وقت. اذا لم تعقد قمّة عربية لمحاولة الرد على العدوان الاسرائيلي الساعي الى الغاء بلد عربي بكامله وازالته من الوجود واعلان الوقوف مع لبنان، متى اذاً يمكن الحديث عن قمة او عن فائدة ما للقمة؟ ان التجاوب مع دعوة الرئيس اليمني اكثر من ضروري في ظلّ الرغبة الاميركية في جعل لبنان يدفع ثمناً غير قادر على دفعه وفي ظل حال الاحباط التي تسود الاوساط الشعبية العربية. ولا شكّ ان النائب الاوّل لرئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني كان افضل من لخّص الوضع الذي يعاني منه المواطن العربي العادي في ضوء ما يجري في لبنان وفلسطين عندما قال في مجلس جامعة الدول العربية ما معناه ان شعوبنا صابرة على الحكام والمسؤولين العرب الذين لا يحرّكون ساكناً حيال ما يجري في المنطقة. يمثل العدوان الذي يتعرّض له لبنان امتحاناً للعرب كلّ العرب. هل يكونون في مستوى الحدث وهل يساعدون في تعزيز الوحدة الوطنية اللبنانية في هذه الظروف الدقيقة التي يمر بها البلد الصغير. انّ الوحدة الوطنية تعتبر الشرط الاوّل لتمكين لبنان من مواجهة مرحلة ما بعد العدوان الاسرائيلي والخروج منه جسماً واحداً موحّداً. من دون هذه الوحدة الوطنية سينجح العدوان في تحقيق اهدافه على راسها الانتقام من لبنان ومن كلّ ما يمثله. يبقى مع بدء وصول المبعوثين الدوليين الى لبنان، ان نجاحه في تجاوز المحنة مرتبط ايضاً بتقديم مشروع دولة الى العالم. وهذا ما سعى اليه رئيس مجلس الوزراء السيّد فؤاد السنيورة الذي لم يكتف باعلان لبنان «دولة منكوبة»، بل اكد ايضاً استعداد الحكومة لممارسة سلطتها على كل الاراضي اللبنانية. وهذا يعني بكل بساطة ان ثمة حاجة الى التفكير منذ الآن في ان يكون كل سلاح على الارض اللبنانية في امرة السلطة الشرعية وحدها. مثل هذه اللغة يفهمها المجتمع الدولي ويفهم معها حاجة لبنان الى وقف سريع للعدوان. لكن هذه اللغة تحتاج ايضاً الى الاعتراف بان لا بديل من الوحدة الوطنية والى لغة توحّد بين اللبنانيين ولا تفرّق بينهم... ما دام العدوان مستمرّاً. يحتاج لبنان بكل بساطة الى الوحدة الوطنية والى دعم عربي والى لغة موحدة يتوجه بها الى العالم من اجل وقف العدوان.