قالت مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية إن من بين الآثار الإقليمية الأوسع نطاقًا لوقف إطلاق النار في غزة في أكتوبر، كان أهمها وقف إطلاق النار في البحر الأحمر، وربما في اليمن. وبالفعل، نتيجةً للهدنة، أوقف اليمنيون هجماتهم على السفن التجارية في البحر الأحمر المرتبطة بإسرائيل. كما يبدو أن اتفاقًا سابقًا توسطت فيه عُمان بين صنعاءوواشنطن قد خفف من التهديد المباشر الذي تشكله صنعاء على المصالح الأمريكية في الممر الملاحي. أما داخل اليمن، فقد استمرت هدنة هشة عمرها ثلاث سنوات ونصف في الحرب التي دارت بين صنعاء والرياض، ورغم أن اليمنيين لم يُهزموا، يبدو أن المسؤولين الأمريكيين يعتقدون أن الوضع في البلاد قد هدأ، وأن بإمكانهم توجيه اهتمامهم إلى أماكن أخرى. وأكدت المجلة في تقريرها أنه بعد أقل من شهرين، بدأ ذلك الهدوء النسبي بالتلاشي. ففي أوائل ديسمبر، شنّ الانفصاليون في جنوباليمن حملة واسعة النطاق للسيطرة على أجزاء كبيرة من محافظة حضرموت، وهي منطقة نفطية متاخمة للسعودية، ومحافظة المهرة المتاخمة لسلطنة عُمان، بدعم إماراتي، وقد أدى توسعه الجريء إلى نشوب توترات جديدة مع السعودية، التي تدعم فصائل متنافسة داخل حكومة الشرعية وتعتبر الاستيلاء على السلطة من قبل الانتقالي تهديدًا محتملًا لأمنها القومي. وذكرت المجلة أن مع استمرار حملة المجلس الانتقالي الجنوبي، تعهدت صنعاء بتوسيع سيطرتها على المناطق المنتجة للنفط والغاز في شرق البلاد. لقد عملت القوات المسلحة اليمنية بلا كلل على تطوير ترسانتها من الأسلحة التقليدية المتطورة، كما رفعت مستوى إنتاجها المحلي للأسلحة، حتى باتت قادرة على تجميع الصواريخ الباليستية وتصنيع طائرات مسيرة طويلة المدى بشكل مستقل. علاوة على ذلك، تؤكد صنعاء رغبتها في تحرير اليمن بأكمله ومواصلة مواجهة إسرائيل والولاياتالمتحدة والسعودية والإمارات. وإذا انهار وقف إطلاق النار في غزة، فإن اليمنيين مستعدون لمواصلة هجماتهم في البحر الأحمر. وأفادت "فورين أفيرز" الأمريكية أن الاضطرابات في الجنوب جعلت البلاد أكثر قابلية للاشتعال، مما يُهدد بإعادة إشعال حرب، وأي عودة إلى حرب شاملة ستكون لها تداعيات في جميع أنحاء الخليج ومنطقة البحر الأحمر.. لقد ازداد اليمنيون جرأةً بفعل الحرب على غزة، وقلبوا النظام الإقليمي الذي تهيمن عليه الولاياتالمتحدة وإسرائيل. لقد حقق اليمنيون مكاسب ملموسة من عصيانهم للولايات المتحدة. ورأت المجلة أن خطر اليمنيين تفاقم مع تزايد قدراتهم العسكرية. ففي المراحل الأولى من الحرب في غزة، لم تتمكن صواريخ اليمنيين في الغالب من الوصول إلى الأراضي الإسرائيلية؛ وبحلول مايو/أيار 2025، أصبحت قادرة على ضرب مطار بن غوريون قرب تل أبيب. وفي سبتمبر/أيلول 2025، تمكنت طائرات مسيّرة من اختراق الدفاعات الجوية الإسرائيلية، ما أسفر عن إصابة أكثر من 20 شخصًا في إيلات وضرب مطار رامون. كما استهدفت صواريخ صنعاء منشآت ينبع، وهو ميناء نفطي سعودي رئيسي يبعد حوالي 620 ميلًا عن الحدود اليمنية. وفي الوقت نفسه، منحت حرب غزةاليمنيين خبرة عملياتية قيّمة، سمحت لهم بتحسين دقة استهدافهم واختبار أسلحة جديدة، بما في ذلك صواريخ باليستية مزودة برؤوس عنقودية. وأضافت المجلة الأمريكية أن نهج واشنطن تجاه اليمن مليء بالتناقضات. فعلى سبيل المثال، وفّرت الهدنة الثنائية التي أبرمتها الإدارة الأمريكية مع حكومة صنعاء في مايو، مخرجًا سريعًا من عملية "الراكب الخشن"، التي كلّفت بالفعل أكثر من مليار دولار أمريكي، واستنزفت موارد عسكرية ضخمة كانت مطلوبة في أماكن أخرى. إلا أنها لم تمنع اليمنيين من مواصلة هجماتهم على أهداف غير أمريكية في البحر الأحمر، أو من إطلاق المزيد من الصواريخ والطائرات المسيّرة على إسرائيل. كما أنها لم تُقدّم استراتيجية طويلة الأمد لحماية المصالح الأمريكية في البحر الأحمر أو الخليج. وفي ذات السياق، لم يعد للولايات المتحدة مبعوث مخصص إلى اليمن، مما يدل على مدى تراجع هذا البلد في قائمة أولويات واشنطن. ولا تؤيد الإدارة العودة إلى صيغة ما قبل حرب غزة لتسوية النزاع اليمني، والتي كانت تنص على موافقة صنعاء على وقف إطلاق النار وعملية سياسية مقابل منافع مالية تشمل دفع رواتب القطاع العام. ومع ذلك، لا يبذل سوى قلة في واشنطن جهودًا لإيجاد مسار بديل للمضي قدمًا. وختمت المجلة الأمريكية حديثها بالقول: مع تصاعد الاضطرابات في الجنوب، قد تواجه الولاياتالمتحدة وحلفاؤها الخليجيون أزمة أوسع نطاقًا. من الممكن أن تعمل الإمارات والسعودية على الحد من تداعيات سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على حضرموت، وذلك بالاتفاق على جهد مشترك لاحتواء التوترات فيما بينهم.. قد يكون الوقت ضيقًا. كما أن هناك احتمالًا حقيقيًا لنشوب قتال بين فصائل الحكومة، مما قد يُساعد صنعاء على تحقيق مزيد من التقدم العسكري أو السياسي. وإذا أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي استقلاله - وهو أمر يبدو حريصًا على تجنبه في الوقت الراهن نظرًا لقلة الدول التي ستعترف به - فقد يدفع ذلك القوات الشمالية إلى إعادة تنظيم صفوفها ضده.