حري بالعدوان البشع الذي تمارسه آلة الحرب والدمار الصهيونية في قطاع غزة ولبنان، أن يوحّد المواقف العربية.. وليس العكس. وأحرى بالعرب أن يفعّلوا في مثل هذه الأوقات العصيبة، المقومات الجامعة وعوامل المصير المشترك الواحد.. لا أن يفتعلوا المزيد من الخلافات والتباينات في المواقف الصاخبة، والتي تظهر المنطقة العربية في صورة مزرية تفتقد إلى أبسط مقومات المسؤولية الحضارية وكأننا نعيش ونمارس تجربة الحياة والعالم بعيداً عن قانون العيش المشترك ومن دون وعي حضاري، وهي حالة محبطة ومزمنة اقترنت المنطقة والخارطة العربية طوال عقود وخصوصاً منذ منتصف القرن الماضي. ومهما يكن من أمر الفترات الماضية.. ندرك ويدرك عقلاء الشعوب والحكومات العربية أن المنطقة لم تعد تحتمل المزيد من التصدعات والانكسارات في العلاقات العربية -العربية، عند هذه الساعة من أيام العرب وعند مفتتح القرن الواحد والعشرين. شبعت العلاقات العربية نزيفا وهدرا للتجارب والدروس، حداً بات يهدد مقومات وجودنا كأمة وقيمة وحضارة. وفي أسوأ – بل قل أحسن الأحوال سوف لن تفلح أبداً في تجاوز حالة الانهزام وثقافة الهزيمة المزمنة، ولن نفلح أبداً في تملك أسباب النهوض واللحاق بالعصر والعالم. مالم نكفر بخلافاتنا الصبيانية وتفكيرنا السطحي المشاغب ونجدد إيماننا بقدراتنا في توظيف القواسم المشتركة والإمكانات الجماعية المتاحة لننفض عنّا غبار الهزائم وذّل الانحباس في حسابات فقيرة وخلافات تافهة. لم – ولن تجد الدولة العبرية أدنى حرج يحول بينها وبين الإمعان في إذلال الذات العربية وانتهاك حرمات ومقدسات الأمة. وعلى مدى خمسة عقود، استمرأت آلة الحرب الإسرائيلية أن تعربد في «حوانيت» و «مقاصف» الخارطة العربية كما يحلوا لها، وحسبما يعيّن لها طموحها العسكري وأطماعها التي لا حد لها في مقدرات ومغريات المنطقة الغنية بالثروات والفقيرة إلى معنى «الإشراء» لا بل إلى معنى الحياة المقبولة في أدنى مستوياتها. ما تقوم به إسرائيل الآن ليس إلا استعراضاً للقوة بطريقة همجية تريد أن تثبت لنا وللعالم أنها قادرة على ما تريد، ضامنة أن لا أحد سيقول لها «لماذا؟» أو «يكفي» فهل يحتاج العرب الآن إلى خلافاتهم المتوارثة وحساباتهم العاجزة القاصرة؟ أم أنهم في أمس الحاجة إلى استدعاء شراكة الذات والموضوع العربيين لأجل الخروج من ضرائب الضياع وهامش القيمة والمعنى؟!. ثمة من الفدائح والأهوال، ما لا يريد العرب الانتباه إليها وهي تتربص بالمنطقة العربية من كل تلقاء. تورد صحيفة «ذي اندبندنت» البريطانية في افتتاحية لها أن «حرباً إقليمية واسعة النطاق بدت تلوح في الأفق» ولا يريد العرب أن يسمعوا شيئا كهذا. لذلك تجيء المواقف العربية محافظة على خط الخلافات والتناقضات المعيبة والمحبطة. ليس على العرب أن يذهبوا إلى الحرب، ولا يبدو أن خياراً كهذا ورد أو سيرد في أية مناسبة أو مبادرة أو دعوة صادرة عن بلد عربي. ولسنا ندعو إلى الحرب أو ما شابه. فقط نريد موقفاً عربيًا مقبولًا ومستساغاً إزاء العدوان والعربدة الإسرائيلية نريد أن ندين الإرهاب الذي تمارسه الدولة العبرية في فلسطين ولبنان وتلوح بتوسيع دائرة مداه واستهدافاته. هل كثير علينا الدعوة إلى عقد قمة عربية طارئة في مثل هذا الوقت؟! أن يجتمع القادة العرب لتدارس الأوضاع واتخاذ موقف – حتى كلامي – موحد يدين العدوان والبربرية ويدعوا إلى كف الوحشية وآلة الدمار أن يظهر القادة موحدين إزاء الدعوة إلى لجم العدوان وتفعيل القرارات الأممية ومقررات الشرعية الدولية.. هل كثير علينا أن نطالب القادة ببيان ختامي لقمة طارئة، يتمسك بحق العرب في الحرية والتحرير والاستقلال، ويجدد التأكيد على مبادرة السلام العربية التي أقرها القادة في قمة بيروت.. بيروت التي تتعرض الآن للتدمير الوحشي والقتل وتستعرض ضدها إسرائيل كل قوتها وعنجهيتها في ظل صمت دولي متواطئ مع العدوان، لأن العرب يفوقون العالم صمتاً وغياباً. أمر يدعو للسخرية أن تقول صحيفة بريطانية «أن ما تظهره هذه الأزمة من استعراض للقوة في هذه المنطقة الهشة لا يمكن تبريره» فيما الصحف والإعلام العربي يتحدث عن حق إسرائيل في «الأمن» والدفاع عن نفسها بهذه الصورة التدميرية – مردداً كلام الخارجية والرئيس الأميركي «من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها» حتى صارت العبارة كاللازمة مع كل عدوان تشنه إسرائيل هنا وهناك!! يعلم ويدرك العرب أكثر من غيرهم أن الدولة اللبنانية غير قادرة على تجهيز جيشها وبسط نفوذها على كل الأراضي اللبنانية، وأن الجبهة الجنوبية من لبنان ستظل خاوية مفتوحة أمام العدو ولا أحد من العرب أراد أن يساعد لبنان خلال السنوات الماضية على حل هذه المعضلة، بل ولا أحد في المجتمع الدولي والدول الكبرى أراد أن يتعاون مع الحكومة والجيش اللبناني ليصبح مؤهلاً وقادراً على حماية أرضه وسيادة بلده. ورغم ذلك يؤذن العرب والعالم بأن على الدولة اللبنانية بسط سيطرتها وإيصالها جيشها إلى الجنوب.. والمشكلة ليست هنا، المشكلة أصلا هي أن الجيش اللبناني غير جاهز ولا مؤهل.. والا فدح هو أن العالم والعرب يعرفون ذلك جيداً. ماذا عن الشرعية الدولية في سوى القرار «1559» الذي يطالب الجيش اللبناني أخذ مكان المقاومة في الجنوب ونزع سلاح حزب الله؟! دعونا نتفق أن المشكلة أصلا في وجود الاحتلال الإسرائيلي، وأن جميع القرارات الدولية التي تلزم إسرائيل الانسحاب والعودة إلى حدود 67لم تنفذ فكيف تحضر الشرعية الدولية مرة وتغيب دهراً؟! ألا يمكن للعرب أن يسألوا العالم هذا السؤال؟ ليس المطلوب من القمّة العربية إلا هذا، أن تطالب بالشرعية الدولية وقراراتها لا أكثر، أن تؤكد على السلام واحترام السيادة والأمة والحرية للجميع، أن يعود اللاجئون من مخيمات الشتات إلى أراضيهم بحسب الشرعية وقراراتها. أن تدعو المجتمع الدولي ومجلس الأمن إلى تفعيل عملية السلام وأوسلوا وخارطة الطريق والمبادرة العربية. ليس المطلوب من العرب إلا إدانة الحرب والهمجية والتمسك بخيار «السلام» الذي يحلم به العرب ويؤمنون به ويدعون إليه منذ نصف قرن أو يزيد ولم يجدوا منه شيئاً يذكر. الدعوة اليمنية إلى قمّة عربية طارئة لم تكن تعني إلا ما سبق، ولم تكن القيادة اليمنية إلا معبرة عن الإرادة والإجماع العربيين ومحافظة على التزاماتها القومية ومسؤولياتها العربية. ليس هناك ما يدعوا إلى الذهاب في بعض الحوارات والآراء بعيدا عن مضمون وعناوين الدعوة اليمنية إلى التئام القادة العرب في قمة استثنائية طارئة. ولا يحتمل المجال تأويلات مسفة أو توظيفات ملتوية من باب المناكفة أو الكيد السياسي.. سواء وعلى المستوى المحلي – الوطني، أو على المستوى العربي – فليس الوقت ولا القضية مناسبين للتجييرات المراهقة أو الجدل العقيم. تلتزم اليمن في دعوتها، بثوابت عربية وقومية لا غبار عليها، هي محل اتفاق وإجماع الأشقاء العرب جميعاً. ومن غير المعقول أن ينسحب الموضوع والقضية الطارئة إلى جدل ونبش في ما لا يفيد أو ينفع. وعلينا أن نحرص أشد الحرص على وحدة الصف والموقف العربيين، وأن لا ننجر إلى هوامش جانبية وهناك من يحاول جّرنا إليها تشتيتا للجهد ونكاية بالتقدم الكبير الحاصل في علاقتنا مع الأشقاء العرب والخليجيين على وجه الخصوص. وأحسب أن المراهنة في هذا الباب مغلقة وخاسرة تماماً.. فاليمن كانت ولا تزال وستظل كذلك أشد حرصاً على محيطها الخليجي وعمقها العربي والقومي. وفي هذا الاتجاه ذاته.. تسير وتعمل السياسة والدبلوماسية اليمنية. Ameen 101@ Maktoob. Coom