في زمن بات فيه الصادق الصريح شخصاً مخبولاً في نظر الناس ، و في زمن بات فيه التنديد بالوحشيّة الصهيونيّة علناً قصر نظر و غياب دبلوماسية و افتقار للبراجماتيّة ، أطلّ علينا من أتورّع كما غيري عن تسميته بالمطرب ، و هو شعبان عبد الرحيم أو كما يسمّونه في مصر شعبولاّ ظاهرة (شعبولا) تسترعي الانتباه ليس لأنّه (مكوجي) طرق الغناء فحصد شهرة خرافيّة فحسب ، بل لأنّ نجاحه و شهرته ترمز لواقع صارخ و هو تعطّش الجماهير العربيّة للأغاني السياسيّة لا سيّما تلك التي تشتم ب(الفمّ المليان) اسرائيل و أمريكا بغضّ النظر عمّن هو (الشاتم) . حينها فلا عجب من توق الشعوب العربيّة برمّتها و بما فيها طبقة المفكّرين و البروفيسوريّة لسماع شعبولا بل و ملاحقة أغنيّاته على الفضائيّات و لعلّ الخبر الذي أوردته صحيفة الجزيرة السعودية عن احتجاج السفارة الإسرائيليّة في مصر على أغنيّة شعبولا الأخيرة ، كان بمثابة الشهادة الحقّة بمدى فعاليّتها في نقل و إيصال سخط الشعوب العربيّة بما يفوق المظاهرات و المسيرات . فأغنيّته (تنين عساكر) التي شتم فيها إيهود أولمرت بقول : (شارون ارتحنا منه و قلنا حنلاقي حلّ أتاري اللي بعد منه طلع أوسخ و أضلّ) و هو ما اعتبرته السفارة الإسرائيليّة تجاوزاً خطيراً و مؤشّراً على قابليّة توتّر العلاقات المصريّة الإسرائيليّة حسبما أشارت الصحيفة . كما طالبت السفارة الإسرائيليّة في مذكّرة شديدة اللهجة بسحب هذه الأغنيّة من الأسواق و وقف عرضها على الفضائيّات العربيّة في الواقع فإنّني شخصيّاً أؤمن بأنّ شعبولا كان ذكيّاً جدّاً عندما أطلق قبل سنوات أغنيّة (أنا بكره إسرائيل و بحبّ عمرو موسى) و التي تردّدّ حينها أنّها كانت السبب في إقصاء عمرو موسى عن منصبه خوفاً من جعله رمزاً سياسيّاً ، و بغضّ النظر عن كون ذلك صحيحاً أم لا ، إلاّ أنّ شعبولا و من يكتب له كلمات أغانيه كانا قد تنبّها لعامل جذب شعوبنا المقهورة المكبوتة و هو العزف على وتر القضايا الحسّاسّة التي لا يجرؤ أيّاً منّا على طرقها بمقدار فجاجة شعبولا في طرحها . أكبر مثال على ذلك كانت أغنية (يا عمّ عربي) التي قال فيها( يا عمّ عربي إيمته ناويين تتحرّكوا) مخاطباً بذلك الحكومات العربيّة بالتحرّك الفوري عدا عن إشارته لدور إسرائيل الذي يؤمن به المعظم في تفجير برجيّ التجارة في أمريكا قائلاً (مكنش حتّة برج يا ناس يا هو و بالتأكيد صحابه همّ اللي وقّعوه) و التي سبّبّت كذلك لغطاً كبيراً تناقلته بعض الصحف ليس بسبب الكلام الجرئ الذي تحفل به فحسب بل بسبب الرسومات الكريكتورية التي عرضتها الأغنيّة و لعلّ أشدّها مثاراً للضحك صورة بنطال شارون و هو يسحل عن خصره كالأطفال باختصار فإنّ شعبولا يمثّل البعوضة التي أدمت مقلة الأسد على الأقل عبر استفزازه بالكلمات التي تعدّ من أقوى الأسلحة و التي بتنا نخاف حتّى من التفوّه بها تلميحاً أو تصريحاً بسبب ثقافة الخوف المتعشّشّة في أذهاننا و نفسيّاتنا . و أتمنّى شخصيّاً أن تبقى السلطة المصريّة محتفظة بورقة شعبولا كمتنفّس للشعب المصري و العربي المكمّمّة أفواهه ، و ليس أن تحرق شعبولا عبر ضمّه للفئة المصفّقة التي لا يلبث كلّ جرئ في أوطاننا إلاّ أنّ ينضمّ إليها بعد فترة من التمرّد * كاتبة صحافية- الاردن [email protected]