حرية الصحافة وحماية الصحفيين وصون كرامتهم يعد التجسيد المباشر لجوهر الديمقراطية بما تحمله معانيها من حرية رأي وتعبير وتعددية سياسية وحزبية وتداول سلمي للسلطة واحترام لحقوق الإنسان، وهي في ارقي معاني مضامينها الاحتكام للدستور والقانون اللذان يتساوى أمامهما الجميع كمواطنين في الحقوق والواجبات. ولا مجال هنا للاستثناءات التي يتصورها البعض من موقع عدم قدرتهم مغادرة ماضيهم الذي اعتادوا عليه معتقدين خطأً أنهم فوق الدستور والقانون ودولة المؤسسات، غير قادرين على استيعاب ان التحولات الديمقراطية التي شهدها الوطن اليمني قد جعلت أبناءه يتجاوزون التفكير السكوني الذي يحكم سلوك هؤلاء البعض وتعاطيهم مع متغيرات الواقع السياسي الجديد لوطن ال22 من مايو الذي لامكان فيه للخطاب المتعجرف والعنجهية ولغة التهديد والوعيد الهمجية المتخلفة التي يمارسونها تجاه الرأي الآخر، غير مدركين اننا في ظل دولة النظام والقانون التي فيها اصبح غير ممكن استمرار مثل هذه التصرفات غير المسؤولة من اناس عقولهم مشبعة بثقافة العنف ومدى تغلغل منطق الارهاب في وعيهم المنغلق والمستعصي ليس على التغيير فحسب بل وعلى مجرد مواكبة المتغيرات والانتقال الى مستوى اعلى من التفكير والسلوك الاجتماعي والاقتصادي والثقافي الذي يعطي ولو مؤشرات لحقيقة وصحة مجرد رغبتهم في التعبير على الاقل من باب الانسجام مع موجتهم الشعاراتية التي اعتلوها وكانوا على رأسها في الحملة الدعائية للانتخابات الديمقراطية التنافسية الرئاسية والمحلية مؤخراً، حتى ولو من باب احترام عقول الناس.. ام ان التغيير الذي كانوا يرفعونه ويدعون اليه يحمل في طياته معان عكسية غير تلك التي ارادوا الإيحاء بها لجمهور الناخبين الذين وجد فيها غموضاً وضبابية حينها بالنسبة لهم وبالتالي لم يقتنعوا به وبدا ذلك واضحاً في نتائج الانتخابات ليأتي التفسير الصحيح لمفهوم التغيير الذي يسعون اليه بالتهديد واستخدام الرصاص والتصفية الجسدية وعلى النحو الذي حدث يوم أمس الأول مع الأخ العميد علي حسن الشاطر رئيس التحرير الذي تلقى تهديداً بالتصفية الجسدية من حميد الاحمر عضو مجلس النواب رداً على نشر قصيدة في الصحيفة والتي أياً كان مضمونها فهي تأتي في اطار حرية الرأي والتعبير. وأية عقلية تؤمن بالديمقراطية في حدها الادنى كانت ستضعها في نطاقها الصحيح الذي يوجب عدم الوصول برد الفعل الى مستوى موتور ومتشنج مهما كان محتواها ليأخذ صورة التهديد والوعيد لاسيما وان هناك اشكالاً متعددة للرد على نحو منسجم مع التفكير الديمقراطي السوي الذي يقتضي في أسوأ الاحوال اللجوء الى الدستور والقانون بدلاً من استخدام اسلوب يعيدنا الى عهود ولت لا رجعة لها بقيام وانتصار الثورة اليمنية واعادة تحقيق الوحدة اليمنية ومنجزها الرديف الديمقراطية، بل ويذهب مثل هذا المنطق الهمجي المتعجرف الى ماهو ابعد من ذلك بكثير.. الى شريعة الغاب وازمنة الفوضي في القرن الحادي والعشرين. ان مثل هذا الاسلوب المتغطرس تجاه الآخر لايمكن فهمه أو التعاطي معه باعتباره ارهاباً بامتياز يقتضي وقوف الجميع- مواطنين واحزاباً وتنظيمات سياسية ومنظمات مجتمع مدني وشخصيات اجتماعية- ضده ومواجهته بحزم ومسؤولية ترتقي الى مستوى الحرص على الديمقراطية وتعبيراتها الموضوعية -حرية الرأي والتعبير في دلالاتها وأبعادها الاكثر التصاقاً بالرأي العام- ونعني هنا حرية الصحافة ومادام ماتنشره لايتعارض مع الدستور والقانون ولايستهدف مصالح اليمن العليا ووحدة ابنائه الوطنية وحتى في حالة تجاوز الثوابت او تحمل اي نوع من الاساءات التي يعاقب عليها القانون فيمكن اللجوء الى القضاء كونه الوحيد المعني في الحكم على أية مخالفات أو خروقات او جرائم نشر ووفقاً للقانون الذي كنا ومازلنا وسنظل نعمل للاحتكام اليه وجعله الفيصل في أية قضايا من هذا النوع، ولا أحد في هذا البلد فوق الدستور والقانون ومن مصلحة الجميع العمل على تعميق وترسيخ سيادة دولة النظام والقانون.. وفي هذا السياق كان الرد على لغة القتل والارهاب والتهديد بالتصفية الجسدية هو اللجوء الى القضاء حتى لاتصبح حياة الآخرين وكرامتهم تحت نزق بعض من اعتادوا العبث بأرواح الناس ومصادرة حرياتهم متصورين انهم اكبر من ان تطالهم يد العدالة، في الوقت الذي مكانتهم الاجتماعية توجب عليهم ان يكونوا اشد حرصاً على حقوق وحريات وكرامة الآخرين.. والاكثر حرصاً على ترسيخ دولة النظام والقانون وهذا ماكنا نأمله ونتمناه لاسيما بعد انخراط هؤلاء في العملية الديمقراطية وممارسة السياسة في اطارها، ولكن وعلى مايبدوا ان قوة العادة مازالت اقوى من امكانية تغييرها ورفع شعار التغيير من هؤلاء كان يحمل معنى سلبياً باتجاه الماضي وليس الحاضر والمستقبل، والديمقراطية والتعددية بالنسبة لهؤلاء ليست الا وسيلة لتحقيق غايتهم في العودة بالوطن الى الخلف.