تتوقف محطات التاريخ ولحظات الزمن عند كلمة.. عند وقف.. عند مشهد قد تختصر الحياة وتبدؤها.! ثمة محطات كثيرة ومشاهد متتابعة ومتسارعة، فيها نبض الحياة وصخب المعارك، فيها انكسارات مؤقتة وانتصارات مؤزرة، فيها العواصف وفيها العواطف، فيها غضب الفاسدين وسموم الحاقدين وحشرجة المتذبذبين، وفيها آهات الجماهير وسعادة البسطاء قانعين بموقف وطني لا يلين. عندما تكتب عن 22 مايو 1990م فلا بد ان تجد الوحدة اليمنية، وعندما تجد الوحدة اليمنية فلا بد ان يبرز لك اسم الزعيم علي عبدالله صالح، وبالعودة للفترة التي سبقت ميلاد الوحدة اليمنية فقد كانت اليمن والمنطقة والعالم تعيش واقعاً خاصاً.. فلو ان احداً (وقتها) ارتفع فوق سطح الارض آلي علو يستطيع معه ان يلقي نظرة جامعة شاملة او ما يسمونه (بانوراما) بلغة الحصر والتصوير على المشهد اليمني في عمومه وعلى ما يحدث لدى الجوار العربي والفضاء الدولي، لتبد له عمق الازمة التي خيمت على كل المستويات..! فترة تكاد فيها التغيرات تعصف بالعالم، وهناك نظام دولي جديد يشكل العالم ويتخطى حدود السيادة الوطنية بمفاهيم العولمة والحدود المفتوحة، وأنظمة اختارت الزحف على البطون، وارادات سياسية ارتهنت للاستعمار في ثوبه الجديد المتجدد، ومثقفون ومفكرون اجدبت عقولهم وجفت اقلامهم، وانفرط العقد، وتعثرت الأمة، وتشرذم الاشقاء، وانهارت الحصون، وتأكلت الاسوار، ثم ما لبثت ان سقطت وسقطت معها مسلمات ومعايير، وتغيرت مفاهيم، وعلى الجانب الاخر كانت هناك اصوات بالملايين تنادي باعلى صوتها، تراهن على من تبقى من الوطنيين.. اصوات تطالب بالجهاد الذي يتجاوز حدود ومعاني ضيقة تقف به عند (مجرد) استخدام السلاح في مواجهة العدو، وكانت هناك رغبة في تفعيل الجهاد في السياسة والاقتصاد والعلم، علًّها تستطيع مواجهة الازمات والمؤامرات ومحاولات الاختراق. هكذا جمحت ذاكرتي تسترجع شريطاً طويلاً من الاحداث ربما استحضره الاحتفال باعظم وانصع انجاز في تاريخ العرب الحديث الوحدة اليمنية. لا زمن يضاهي يوم الثاني والعشرين من مايو 1990م في اهميته وجلاله في تاريخ اليمن المعاصر عندما ارتفع علم الجمهورية اليمنية معلناً نهاية زمن وبداية زمن آخر في تاريخ اليمن وحياة اليمنيين، وتمر الان 17 عاماً كلها كانت ضمن حسابات المستقبل تاركة وراءها ماضي مختلف كان مشحوناً بالحرب والدمار والدماء والضعف والهوان، وعندما تحل ذكرى الثاني والعشرين من مايو وجدت في نفسي معاني كثيرة، معاني بقيت معنا حتى اليوم بعد زوال التشطير، ويبد ان 17 عاماً من الزمن لم تكن كافية لنعقل كلما في هذا التاريخ من دورس وتحولات، واتصور وهنا تكمن اهمية وعظمة هذا اليوم، يوم 22 مايو 1990كان يوم اعلان نتيجة أكبر مباراة عسكرية وسياسية ودبلوماسية واجتماعية واقتصادية على مستوى المنطقة العربية ومنطقة الشرق الاوسط حول موضوع واحد محدد لا شيء غيره هو الوحدة اليمنية حيث بدأت المبارة في صبيحة ذلك اليوم من عام 1978م وهو التاريخ الذي تولى فيه الرئيس علي عبدالله صالح رئاسة اليمن، وانتهت صباح يوم الثاني والعشرين من مايو 1990م. وكما نعرف قليلة هي الاحداث الكبرى على مستوى عالمنا العربي التي تنتهي بنتيجة حاسمة واضحة لا لبس فيها، وفي حالة الوحدة اليمنية التي كانت هناك قوى اقليمية ودولية ترى مصالحها في عدم تحقيقها، ولكن الارادة اليمنية ممثلة بالرئيس علي عبدالله صالح القائد الذي امتلك الرؤية والعزيمة واحتضن طموحات واحلام الشعب كانت تهدف من البداية الى تحقيق نتيجة محددة، وليس فقط الحديث عنها والسير في اتجاهات كما فعل من كان قبله من قيادات الشطرين. ومما لا شك فيه ان التشويش والتقليل من هذا الحدث العظيم من الحاقدين اعداء واصدقاء على السواء انما هو ناشئ من ارتباطه بمعنى وقيمة مفهوم النتيجة اي النهاية تامة المعنى وما بعدها يعد من ايام مستقبل اخر جديد. انه بقدر الخلاص من فكر الماضي وحجم التضحيات من اجله كانت صلابة الوحدة ودوامها وثباتها برغم العواصف والاعاصير والمؤامرات. وفي كل الاحوال ما نتكلم عنه الآن هو جزء من معركة المستقبل من اجل تحقيق الرخاء والاستقرار، أما معركة الماضي ليس هناك من شك ان اليمن قد حققت الفوز فيها وان احتفالنا بالوحدة اليمنية للمرة السابعة عشرة بدون توقف خير دليل على ذلك. «لكل زمان دولة ورجال» تلك المقولة التاريخية التي تحمل في طياتها وحروفها الكثير من الدلالات، فلكل وطن فرسانه ورجاله الذي يؤدون واجبهم تجاه اوطانهم الامر من التضحيات وعند الحديث عن هؤلاء يبرز دور احد الذين سطع نجمهم في تاريخ اليمن الحديث انه الزعيم والقائد علي عبدالله صالح، فبهامته الشامخة كما هي اليمن وبساطته وتواضعه وحكمته وصبره سطر اروع الامثله الانسانية التي جاءت وليدة قناعاته ونظرياته وفلسفته الحياتية حيث قاد البلاد الى الوحدة والتوحد والنهضة والتطور، ومن ثم الى بر الامان، بعد مشوار طويل من التضحيات، فيما جسدت افكاره ومواقفه سجلاً حافلاً من النظريات والسياسات الصائبة، كما دون برؤيته الثاقبة وحكمته الراسخة سياسة اليمن، وحدد اهدافها التي حققت الرخاء والتنمية، بعد ازمات ومؤامرات كادت ان تعصف بكل انجازات الشعب اليمني، كما تحولت في عهده الاحلام الى حقائق على ارض الواقع بعد ان حمل الامانة التاريخية مستعيناً بالمصداقية التي تحكم مشاعره وتحدد سلوكه، انه معجزة كل من يتابع ويعرف دقائق شخصيته وحياته اليومية. انها رحلة من العطاء والبذل ومواجهة الشدائد تولى فيها توجيه دفة الحكم في اليمن وسط أنواء واعاصير احاطت بها من كل جانب فخلال هذه ال28 عاماً كان اليمن حلماً ومسؤولية، الحلم: انشاء دولة يمنية موحدة وعصرية حديثة تديرها المؤسسات، تتمتع بالديمقراطية والحرية، فقد كان الرئيس يدير في رأسة متغيرات عصره ويحلم بان يترك على تاريخ اليمن بصمة تدل عليه وراى ان ما يجري في عوالم الفكر والفعل يحتم على اليمن ان تبدأ مرحلة جديدة تتسع لطموحات كل الناس ولمشاركة كل الناس في ذات الوقت، ومسؤولية: ادارة هذه الدولة وسط ظروف اقليمية ودولية مليئة بالموازنات الدقيقة. ولقد تواصلت مسيرة القائد من ادارة التحديث والتعمير لبلاده الى حمل القضايا العربية والاسلامية على كاهله. فمنذ ان تولى الرئيس علي عبدالله صالح زمام القيادة وحتى الان دار فيها دفة السفينة اليمنية.. مسيرة كانت حافلة بالمخاطر ومتخمة بالمحن وحافلة بالانجازات سواء على مستوى اليمن او على مستوى العالم العربي والاسلامي والدولي ايضاً، وواجه تلك الاحداث الجسام بما عرف عنه من حكمة وصبر ورؤية في اتخاذ القرار وهي صفاته القيادية المميزة والتي طبعت سياسة اليمن في عهده محلياً وخارجياً..! بهذه الصفات المتميزة استطاع ان ينجو باليمن من كل تلك المخاطر والمحن، بين شطري اليمن كل فريق يتمترس وراء ايدولوجية معينة، ذهب ضحيتها الكثير من الابرياء وتشبب في استنزاف كبير للموارد البشرية والاقتصادية والنفسية، مثل ايقافها حلماً كبيراً لدى جميع اليمنيين.. والى مشاكل ونزاعات وتوترات بين اليمن وجيرانها فيما يتعلق بالحدود، هذا الملف الذي شكل عبئاً وتحدياً كبيراً امام كل القيادات التي تولت سواء قبل الثورة او بعدها.. الى سمعة ومكانة البلاد والتي كانت مهمشة وكان دورها السياسي شبه غائب اقليمياً وعربياً ودولياً، الى تداعيات نتائج حرب الخليج والتي كانت بالغة التاثير على اليمن اقتصادياً حينما عاد حوالى مليون مغترب يمني من دول الجوار وفقدت الخزينة العامة للبلاد مبالغ ضخمة كانت ترفدها تحويلات المغتربين من جهة ومن جهة اخرى شكل هذا العدد الهائد من العائدين مشكلة اقتصادية اخرى وعبئاً على الاقتصاد حينما تحولوا الى ايدٍ عاطلة. كما ان الانجازات التي تحققت لم تتحقق على طبق من ذهب ولم ترى النور الا بعد مخاضات قاسية وعسيرة، حيث تعرضت للكثير من الموامرات الداخلية والخارجية كانت كفيلة بادخال اليمن في منعطفات خطيرة ودهاليز مظلمة، فقد تعرضت الوحدة اليمنية التي مثلت وتمثل حدثاً كبيراً وعظيماً يفتخر به كل اليمنيين والعرب ايضاً في سنواتها الاولى الى مخططات تامرية كان هدفها تحويل النعمة الى نقمة، والوحدة الى فرقة، جر اليمن الى حرب اهلية، وصوملتها اكثر من الصومال، وكان اخرها حرب الردة والانفصال عام 1994م، ولكن الرئيس علي عبدالله صالح تمكن بحكمة فائقة وبما يتمتع به من كاريزما قيادية وسحر شخصي وشخصية جماهيرية، من خلق التفاف جماهيري واسع على مستوى الساحة اليمنية، فانتصر الشعب اليمني لوحدته مجسداً بذلك ملحمة انسانية وبطولية استحقت احترام واعجاب العالم. وعندما نقول ان علي عبدالله صالح هو (أب الوحدة اليمنية) فان هذا التوصيف لم يات من فراغ بل جاء لاسباب موضوعية وممارسات واقعية اثبتت للقاصي والداني الرغبة الحقيقية لدى علي عبدالله صالح في رؤية اليمن موحدة وقوية في كافة المجالات، ومن أجل الوصول الى هذا الهدف بذل الغالي والرخيص لتحقيق الهد الذي كان يمثل حلماً لكل اليمنيين. هذه بعض المعالم من مسيرة طويلة لا تقاس بعمر السنين ولكن تقاس بحكم الانجاز وبالقدرة على مواجهة التحديات، وهي تجربة من أهم التجارب التي عرفها عالمنا العربي والاسلامي، وكل من يزور اليمن اليوم يطلع على ما تم انجازه من بناء وتقدم على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي خلال ال17 عاماً من عمر الوحدة اليمنية المباركة بزعامة فخامة الرئيس علي عبدالله صالح. سياسي -اقتصادي- عضو مجلس النواب سابقاً