أتاحت لنا أو مكنتنا دورة الزمن أن نجمع في عامنا هذا بين الاحتفال بعيد ثورتنا السبتمبرية الخالدة والاحتفاء بأداء فريضة الصوم ، وهي الفريضة التي سنها ديننا الحنيف في شهر رمضان لتنقية النفوس المؤمنة من الأدران والشوائب وتحصينها بنور الإيمان، كما قامت الثورة لتنتقل شعبنا من ظلام الجهل إلى اشراقة العلم والمعرفة. وكما جاءت رسالة الإسلام لتخرج الناس من ظلمات الجاهلية وتدعوهم إلى وحدة الصف فقد اتخذت الثورة اليمنية من الوحدة الوطنية وتحقيقها هدفاً من الأهداف النبيلة لتوجهاتها. وشاءت الأقدار أن تتزامن المناسبتان مع طارئ المتغيرات السعرية في الأسواق العالمية وما أثيرت حولها من ممارسات تتعارض على طول الخط مع الجوهر الوحدوي لعقيدتنا وثورتنا، ولعل في الأمر حكمة ربانية لذكرى نتزود منها بمتطلبات العودة إلى العقلانية والتحلي بروح المسئولية. وتنفع الذكرى حين تجعل الغاوين يقفون على حقيقة أنه ليس منا من دعا إلى 0عصبية وسعى لإحداث الفتنة وإحلال الشقاق في الصف الواحد.. حيث اتجاهات كتلك نهي عنها إسلامنا ورفضتها مضامين المسيرة التاريخية لنضالنا الوطني منذ انطلاقتها الأولى. وتقدم لنا وقائع وشواهد مسار الثورة اليمنية أكبر وأبهى التجليات الوطنية لواحدية النضال وتمثل الجزء الأعظم من تاريخ الكفاح الوطني للانعتاق من واقع التخلف وإيجاد موضع قدم حضاري لبلادنا وشعبنا في الحياة العصرية. وأهم ما يستفاد من ذلك أن موضوع الثورة والوحدة ليس مجالاً لادعاء الملكية الخاصة والأحقية في التصرف بشأنهما من قبل أي كان. نحن أمام قضية أجيال ناضلت من أجل تحقيقها وقدمت في سبيلها الغالي والنفيس لكونها ارتبطت بالإرادة الحرة لهذا الشعب وتطلعاته في الحياة الكريمة. ويستحيل في إطارهذه الحقيقة على أي طرف سياسي أو حزبي أن يمارس أياً من أعمال المصادرة لحق الشعب اليمني في ثورته ووحدته، كما أنه ليس من حق أحد مصادرة التاريخ الوطني واستغفال وعي الجماهير وتجيير إرادتها لصالح مشاريع مشبوهة واستغلالها في خدمة مصالح خاصة. ولا إمكانية لإخضاع الشأن الوطني للمعايير المختلفة بعد أن أغلق التاريخ صفحاته على آخر حركة للردة مع فجر الإسلام وانفتح على ملاحم الفتوحات والأفق العالمي كدين ينشر قيم التسامح والتآخي والتوحد. وعلى من يراوده حلم الردة أن يستفيق ويعيد مذاكرة منطق التاريخ الذي يرفض العودة إلى الوراء وتكرار مسيرته. ووفق المنطق القويم والسليم فإن البكاء على الأطلال عادة جاهلية وليس من وراء العزف على أوتار الماضي غير التذكير بأوضاعه وأوجاعه وإحياء دوافع تصفية الحسابات وفتح أبواب جهنم. وليت من يسعون إلى ذلك يدركون قبل فوات الأوان أن ما يمكن أن يحدث هو انغماسهم في المزيد من العزلة عن مجتمعهم ووطنهم مع أن الأحرى بهم تلافي الوقوع في هذا المصير والتوجه نحو المستقبل باعتباره خيراً وأبقى للجميع.