صدر في إسرائيل قبل شهور طويلة كتاب بعنوان"سندروم الحاجز العسكري" لجندي في الاحتياط يروي فيه تفاصيل الشناعات التي ارتكبها ورفاقه بحق الفلسطينيين على الحواجز العسكرية الاسرائيلية. لم يلق الكتاب ما يستحق من العناية في الصحافة العربية ليس لانه يروي ما نعرفه وما تتناقله وسائل الاعلام عن العنف اليومي و الغطرسة الاسرائيلية وانما جراء النقد الذاتي الذي يلي الجرائم على طريقة:" كنت مجرماً وأنا الآن نادم على الجرائم التي اقترفتها". ذلك أن مشكلة النقد الذاتي لا تغير شيئا في التكوين الاجرامي للمؤسسة الصهيونية التي فطرت على الاغتصاب والاعتداء والعنف، وعليه يكون التعبير عن الندم جزءاً من تعددية الشعور التي يراد لها أن تخفي الجوهر العدواني للصهاينة والا لكانت الشهادة التي يعرضها الكاتب وغيرها سبباً في فضيحة عملاقة تهتز لها اركان النظم في البلدان الديمقراطية الحقيقية. ومع ذلك يظل الكتاب دليلاً بين أدلة أخرى على الفظاعات التي يمكن ان تأتي من الكيان الاسرائيلي الغاصب. استند في الحديث عن هذا الكتاب الى مقاطع نشرتها احدى الصحف الإسرائيلية ونقلها الى الفرنسية موقع الكتروني بلجيكي وفي التقديم للكتاب يتساءل صحافي الموقع "كيف يمكن لانسان متعلم ان يصبح متوحشاً وحيواناً ومجرماً جراء خدمته في الجيش الاسرائيلي. هذه الحكاية يرويها الرقيب الاول الاحتياط "ليران رون فورر" 26 عاماً الذي لا يغمض له جفن بعد الاعمال الوحشية التي ارتكبها في غزة والتي سطرها في كتاب يضم سيرة 3 سنوات هي مدة خدمته العسكرية، وقد وجد من ينشره في اسرائيل دون ان يجد له حتى الآن موزعاً بيد ان صحيفة هارتز نشرت مقاطع من الكتاب جديرة بلفت الانتباه. بعد أن خرج من الجيش كان" فورر" على وشك انهاء تخصصه في هندسة الديكور في أكاديمية الفنون فقرر ان يتخلى عن كل شيء وان يخصص وقته لصياغة كتاب يروي فيه سنوات خدمته العسكرية الثلاثة. يروي كيف انه ورفاقه كانوا يضربون العرب حتى تدمى وجوههم ثم يستمتعون بالتقاط الصور معهم . كيف ان احد الجنود تبول على عربي تجرأ ان يبتسم بمواجهة احد الجنود وكيف اجبر جندي آخر عربياً على الحبو على اربعة والعواء كالكلب. كيف سرق وهو رفاقه مسابح الصلاة من المارة وعلب الدخان من المارة العرب. وكيف انه عندما كان العربي يمتنع عن اعطاء علبة دخان كان الجندي يكسر يده ويطلق النار على عجلات سيارته." وينقل "فورر" الشهادة التالية حرفياً:" ..ركضت نحو مجموعة من العرب (على الحاجز العسكري الصهيوني) وضربت للتو عربياً على وجهه فارتمى أرضاً. قال الضباط بان علينا ان نفتشه ونتحقق من اوراقه. اوثقنا يديه خلف ظهره بوثاق بلاستيكي. ومن بعد اغمضنا عينيه حتى لا يرى شيئاً في الجيب. كان الدم يتسرب من لسانه حتى ذقنه. جلست ورفيقي نرفسه فكان يبكي بهدوء. ثم واصلنا رفسه وظل يبكي بهدوء فاستنتجنا أنه قد يكون مجنوناً او متخلفاً عقلياً. قال لنا الضابط ان علينا ان ناتي به الى القاعدة العسكرية. وضعناه امام الباب فبادر عسكري الى رفسه فوراً على معدته فكان ان انطوى على نفسه واخذنا نضحك عليه جميعاً. ضربته على قفاه فتمدد على الارض كنت سعيداً لذلك. أحد الجنود الذي يتحدث العربية قال لنا ان الشاب الذي يبلغ السادسة عشر متخلف عقلياً."" ويتابع قائلا:" قال لنا رؤساؤنا: يجب ان نظهر للعرب برودة اعصابنا وقوتنا الرادعة و عليه صار العنف الجسدي طبيعياً. لقد كنا أحراراً في ان نعاقب الفلسطيني الذي نريد والذي لا يستجيب لرغبتنا على الحاجز. كل شخص نقدر انه غير مهذب بما يكفي بنظرنا او الذي كان يتصرف بذكاء امامنا.كنا نعاقب من نريد لاتفه الأسباب." ويوضح" .. لم يقل احد لنا ما هو المسموح وما هو الممنوع. كل شيء كان روتينياً.. الضابط الذي كان معنا كان هو الآخر عنيفاً وعندما ضربت الفتى الفلسطيني المعاق شعرت امام الضابط بفخر لا يوصف.. كنا مجرمين حقاً لم يتعرض اي منا لعقاب بل كنا نكافأ على ما نفعل. الآن استطيع ان افهم ان اولئك الذين اهناهم سيكرهون كل ما يتصل بنا إلى الأبد والآن صرت افهم دوافعهم." هذا غيض من فيض الجرائم التي وردت على لسان الجندي الصهيوني المذكور وهي على هولها تؤشر على إحساس داخلي بالمرتبة العليا وبدونية الفلسطيني الذي يستحق الشفقة بنظر المجند الذي تشبه حاله حال اولئك المستعمرين الذين كانوا يحتلون اراضي الغير ويستوطنونها ومن بعد يقولون مساكين اصحاب البلاد انهم جديرون بالشفقة. قد يرى البعض في هذه الشهادة دليل على انسانية المستوطن اليهودي، وهذه رؤية ساذجة لأنها تكرس المستوطن بوصفه سيداً والعربي بوصفه اقل مرتبة في حين أن الحال يجب ان يكون معكوساً تماماً أليس الفلسطينيون اصحاب الارض وملاكها؟فعلام ينزلون الى مرتبة المساكين الجديرين بالعطف.؟ "آخر القرامطة" "آخر القرامطة" كتاب سياسي بصيغة شبه روائية صدر في1/12 /2003م عن "المؤسسة العربية للدراسات والنشر" في بيروت بتوقيع الصديق د. أحمد الصياد وهو يشغل منصب مساعد المدير العام لليونسكو بعد أن مثل بلاده في هذه المنظمة لسنوات طويلة. يتحدث الكتاب عن الشهيد جارالله عمر بعد اغتياله ويتخيل الكاتب بطله في احدى المقابر الصنعانية محاوراً شخصيات سياسية يمنية توفاها الله ومقيماً افعالها في سياق تاريخي يمني حديث والمدهش في هذا الكتاب هو خيال الكاتب الذي يعيد تشكيل حيوات سياسية من المفترض انها طويت مع غياب أصحابها والجانب الدرامي فيه أن الكاتب يبدي تعلقاً ببعض من مضوا لدرجة تخال معها ان ذاكرته موشومة بهم. والمؤسف حقاً في هذا الكتاب ان المؤلف لم يعتن بالصياغة واللغة ما يتوجب العناية، ولو فعل لكان الكتاب في شكله ومضمونه عملاً على حدة يقف على مستديرة بين الرواية والسياسة والالتزام الايديولوجي. والحق ان الصياد الذي أمضى الجزء الاكبر من عمره في اليونسكو لا تجد أثر الكادرالدولي في سلوكه إلا في المناسبات البروتوكولية فهو ظل محتفظاً بعناصر ايديولوجية يحرص بذكاء يمني تقليدي يميز مواطنيه على التذكير بها في حديقته الخاصة أي في هذا الكتاب وفي اطروحته الجامعية وبعض المقالات وفي السجالات التي تجمعه بحلقة من مريدي اليمن وبعض اليساريين العرب. ليس منهج إعادة تشكيل حيوات الموتى والتذكير بها جديداً تماماً فقد عمل الكاتب الفرنسي شاتوبريان المتوفى في العام 1848 على كتابة مذكراته خلال حياته وتعهد بأن ينشرها بعد خمسين عاماً من وفاته ليذكر مواطنيه بعد موته بما قال وما استنتج، وقد صدق توقعه في مسائل ولم يصدق في مسائل أخرى لكنه أصاب بقوله في مطلع القرن التاسع عشر ان الديمقراطية ستعم فرنسا ولن يكون فيها نظام غير النظام الديمقراطي. الملفت في مصير مذكرات شاتوبريان أنه اضطر لرهن جزء منها في حياته بسبب حاجته للمال فلم تتم وصيته بالطريقة التي أرادها. تبقى الاشارة إلى أن وصف جارالله عمر «بآخر القرامطة» هومن أثر ثقافة ماركسية عربية يعتقد أصحابها أن القرامطة كانوا اشتراكيي عصرهم وانهم المرجع التاريخي العربي للماركسية المحلية وفي هذا عودة لا واعية للسلف مع فارق في الجهة السلفية والمعتقد السلفي.