الأفضل من الحاضر إما ماضٍ مشرف أو مستقبل زاهر قادم.. إلاّ أن من يبتغي التفاخر وكان ما ضيه أسودَ لا سبيل له للتباهي بمستقبل مازال في علم الغيب، ولا مناص من الإيمان بأفضلية الحاضر مهما حمل من عيوب ! الذين أدمنوا لعن الحاضر، والكفر بكل النعم التي فيه ليتهم يتذكرون أي ماضٍ ذاك الذي أتوا منه إلى ما هم فيه اليوم.. !؟ ليتهم يتصفحون كتب التاريخ لتخبرهم أي ماضٍ لعين ذاك الذي جرعنا جميعاً سماً زعافاً من المعاناة الإنسانية التي اهتز لها عرش الرب في السماء .. ! أليس ماضينا هو الذي كانت تعلق فيه رؤوس الأحرار على بوابة اليمن، ويختنق فيه آباؤنا في سجن حجة بأمر «مولانا» الناطق باسم الرب على الأرض !؟ أليس هو الذي غرق فيه شعبنا في ظلمات ثلاث «جور الحكام، وجوع الفقراء، وأنين المرضى» !؟ أليس هو الذي كنا فيه نمشي حفاة الأقدام، وإزارنا لا يكفي حتى لستر العورات.. ونقصد بيت الله الحرام مشياً، وخيرنا من يمتطون ظهور الحمير !؟ أليس هو الذي كان يقف فيه أسيادنا أذلة على أبواب مشائخ البترول يجمعون لنا الصدقات، ويعلموننا كيف نحني رؤوسنا كي لا يقطعوا عنا خبزهم فنموت جوعاً .. !؟ قبل أن نلعن الحاضر فلنراجع صفحات الماضي عسى أن نتذكر كيف كان ذلك الزمان يغتال خيرة ثوّارنا ومناضلينا في صراعه السياسي البغيض.. وكيف تفنن في ذبح زعماء دولتنا !!؟ أليس ذاك هو ماضينا الذي ألقى بالآلاف من أبناء شعبنا في أتون حروب عصابات المناطق الوسطى بين الشطرين! أليس هو الماضي اللعين الذي كسا شوارع عدن بأكثر من عشرة آلاف جثة من أبنائها الأبرياء في مجازر الثالث عشر من يناير 1986م !؟ أم هو الذي أعلن الانفصال عام 1994م وزج بشبابنا في المهالك دون أن يبرر فعلته بعذر مقبول !؟ ما الذي نفاخر به من ذلك الماضي الأسود ليغرينا بلعن الحاضر !؟ أهو مهارتنا في ربط الحجارة على البطون من الجوع، وفرق المشعوذين الذين كانوا يداوون أطفالنا بالتسبب بقتلهم، أم هو الدجل، وفتاوى تحريم تعليم الإناث، وحلب الأبقار، وتكسير الجزر والخيار كي لا نثير الشهوات !؟ أهذا هو الماضي الذي يطالبنا رجالاته الذين كتبوه بلعن الحاضر لأجله !؟ فإلى أي فصوله يريدون إعادة شعبنا !؟ فهل يجرفهم الحنين إلى زمن تعليق الرؤوس على مداخل العاصمة، أم لزمن الاغتيالات السياسية، والمجازر والفتن، والدجل، وتجار الدين، والاسترزاق في أفغانستان، والتشطير، وزنزانات السياسيين المعارضين، وأيام السحل في الشوارع .. !؟ ماضينا أسود رغم أن قلوب أبناء شعبنا بيضاء، وإيمانها بالله لايتزعزع، ورغم أن شعبنا صبور، ومكافح إلا أنه كان ضحية من يجيدون استغلال جهل أبنائه، وتضليلهم بكلام مزوق، أو شعارات تدغدغ أفئدتهم الرقيقة دون اكتشاف زيفها، ودناءة أصحابها، وقسوة قلوبهم التي ارتضت إلقاء أبناء شعبهم بالفتن والمهالك، والصراعات الدامية !! يقينًا.. إن اليمنيين حفظوا دروس الماضي عن ظهر قلب، لذلك عندما جرت الانتخابات الرئاسية 2006م صوتوا للرئيس علي عبدالله صالح، رغم أن البعض مازال فقيراً، والبعض يتذمر من الفساد، أو يقاسي من البطالة.. إلا أنهم تعلموا قيمة الأمن والاستقرار، وأدركوا أن بوجودهما كل شيء سيتبدل نحو الأفضل، وكل معاناة ستزول، وكل جرح سيندمل، وكل خراب سيصلح.. وأن الأمر لا يتطلب أكثر من بعض الوقت الذي يكفل إنجاز الخطط والبرامج الحكومية. هؤلاء الناس الذين منحوا أصواتهم للرئيس صالح يعرفون الماضي جيداً، وعاشوه بكل آلامه، لذلك هم ما انفكوا يرفعون أكفهم إلى السماء حمداً وشكراً لله على نعم الحاضر.. فهم يحفظون أيضاً قوله تعالى «لئن شكرتم لأزيدنكم» ! خلافاً للذين لا يتأملون في دينهم، فتراهم يجحدون نعم الله، ويلعنون الحاضر الذي هم فيه صباح مساء، ناسين «إن وعد الله حق» وإنه لن يوفقهم إلى سبيل خير إطلاقاً، حتى لو حشدوا له الملايين من البشر في الشوارع ؟ أعتقد أن الله مازال يلطف بشعبنا، ويغدقه بالرحمة والأرزاق لأجل هؤلاء الذين لم ينقطعوا عن رفع أيديهم إلى السماء وحمد ربهم وشكره على كل نعمة أفضل بها على اليمن.. وأولها الأمن والسلام والقيادة الحكيمة. عن صحيفة الجمهورية