لا مبالغة في القول بأن الدعوة التي أطلقها فخامة الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية إلى عقد قمة عربية طارئة لبحث الأوضاع في فلسطين والحصار الجائر الذي تفرضه اسرائيل على أكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني ، هي دعوة تكتسب أهميتها وثقل وزنها وقوة حجتها ، من كونها نابعة من ضمير صادق ومخلص وغيور على أبناء أمته التي أرادت اسرائيل من خلال عدوانها السافر وحصارها الجائر ، وممارستها لجريمة العقاب الجماعي بحق الشيوخ والأطفال والنساء في قطاع غزة التعبير عن استهانتها بشعوب هذه الأمة وقياداتها وأنظمتها السياسية .. لتؤكد بذلك أيضا أنه لم يعد هناك سقف يحكم تعاطي العرب مع القضية الفلسطينية وبما يظهر الأنظمة العربية أمام شعوبها وكأن أقطابها قد غسلوا أيديهم من تلك القضية، بعد أن كانت وإلى وقت قريب تشكل حجر الزاوية في انشغالاتهم. - ونعتقد أنه لا يخفى على أحد من العرب أو في العالم كله مدى التزام الرئيس علي عبدالله صالح بنهجه القومي الذي لا يفرط ولا يساوم ولا يقبل بإخضاع حقوق وقضايا أمته لحسابات أو صفقات سياسية ، لأنه عرف بالتزامه بمبدأ ثابت ترسخ في توجهاته وثقافته والفكر الذي يحمله. - ونحسب أيضا أن اليمن وهي تخاطب أشقاءها بتلك الصراحة والوضوح إنما تنطلق من إدراك عميق بأن الطريق الوحيد للحفاظ على مكانة هذه الأمة في العصر الحديث لن يتحقق عن طريق الصمت والاستكانة والخنوع والقبول بكل ما يملى عليها وإنما بالرد المقتدر على الضيم وتحمل المسؤولية وتبني المواقف العملية التي تصون مقومات وجودها في هذا العصر الذي لا يحترم إلاّ الأقوياء. - ونظن كذلك أنه قد آن الأوان لكي يقتنع العرب بأن التشظي والتصدع الكبير الذي أصاب عملهم المشترك في الصميم أصبح يشكل وبالا عليهم ، إن لم يكن كارثة ، ستدفع الأجيال القادمة ثمنها باهظا. - إذ أن مثل هذه الحالة لا يمكن أن تقود إلى سلام عادل ، ولا يمكن أن توقف الدم النازف في فلسطين .. أو يؤدي إلى تلاقي الإرادات لصيانة الحق العربي. - وبلغة أوضح فإن ما يتعرض له أبناء الشعب الفلسطيني من إذلال وتنكيل وحصار وعقاب جماعي ليس سوى نتاج للمواقف العربية المتخاذلة ، التي شجعت اسرائيل على التمادي في جرائمها وافتعال التوترات كلما لاحت في الأفق بوادر لإيجاد مخرج للصراع وتمكين الشعب الفلسطيني من الوصول إلى حقوقه العادلة والمشروعة وإقامة دولته المستقلة. وما يثير الحسرة والألم أن نجد مسؤولا في الأممالمتحدة عن الشؤون الإنسانية يصرخ بأعلى صوته منددا بهمجية اسرائيل وواصفا عدوانها على قطاع غزة بأنه لا أخلاقي وغير مبرر. - ولم يكتف ذلك المسؤول الدولي بالإدانة بل إنه سعى إلى تذكير المجتمع الدولي ، وفي المقدمة منه الدول العربية ، بواجبهم الأخلاقي والإنساني إزاء المعاناة التي يعيشها الفلسطينيون متسائلا في هذا الصدد عن الدور الذي يمكن أن تقوم به الأطراف العربية والدولية في وقف التجاوزات الاسرائيلية ، ومن ذلك قيامها بمنع إمدادات المساعدات الإنسانية والمشتقات النفطية من الوصول إلى قطاع غزة ، على الرغم من أن اتفاق طابا عام 1995م الذي وقعت عليه اسرائيل لا يعطيها الحق في مثل تلك التصرفات الإجرامية. - والسؤال: هل أصبح الأغراب الذين لاتربطهم عقيدة أو دين أو لغة أو حضارة أرحم على الشعب الفلسطيني من أشقائه العرب؟. - وحينما تصبح مثل هذه المعادلة هي السائدة فإن الصوت العربي الوحيد خرج من اليمن يكتسي منزلته من مضمونه القومي والأخلاقي والإنساني واستشعاره لمسؤوليته القومية تجاه إخوان لنا يتطلعون إلى نجدة الأمة التي ينتمون إليها مستصرخين ضمائر قادتها لعلهم يغضبون من أجلهم هذه المرة. - وفي المقدمة والخاتمة .. على العرب أن يلوموا أنفسهم قبل أن يلوموا اسرائيل ، التي فضحت عجزهم وكشفت أمر ضعفهم وجعلتهم مدعاة لسخرية شعوب الأرض.