تحولت بعض أحزاب المعارضة إلى ساحات للنضال والدفاع عن مرتكبي أعمال التخريب والشغب والسلب والنهب ، فيما انتقلت بعض قياداتها إلى مواقع التحريض ضد إنفاذ الأحكام القانونية ، بعد أن ظلت تملأ الدنيا ضجيجا بضرورة تطبيق الأنظمة والقوانين وعدم اتاحة أية فرصة لتجاوزها ، وكأنها بهذه المطالبة تشترط أن لا يكون الأمر يخصها أو أحدا منها ، بدليل أنها تكيل الاتهامات للأجهزة الحكومية وتستثني خروقاتها بل وتعدياتها التي لا تعد ولا تحصى ، وعلى طريقة ممارسة ازدواجية المعايير. - ويبدو أن تلك العناصر القيادية اكتشفت أن تطبيق القانون سيطالها وأحزابها بكل تأكيد وتصبح المتضرر الأكبر منه. - ويعود جزء مهم من الفضل في استمرار أنشطتها بالفعل إلى تسامح القيادة السياسية وسعة صدرها حيال ما تقترفه هذه الأحزاب من خروقات للنصوص الدستورية والقانونية. - وتعود حالة التمادي في السلوك غير المسؤول إلى أن أحزاب المعارضة فهمت حالة التسامح تلك بصورة خاطئة دون إدراك أن للصبر حدودا وأنه من غير الجائز التغاضي عن تصرفات تتسبب في تعطيل جهود التنمية وإضاعة كل فرصة وإمكانية للتقدم في اتجاه استكمال مهمة بناء المجتمع الديمقراطي. - ونستدل على أهم مظاهر ذلك في مشهد التخندق في جبهة الرفض لأي شيء وكل شيء يأتي من الحكومة من جهة معارضة المشترك دون التمعن في وجاهة الموقف من عدمه. - وهل من المنطق والصواب التحامل على أجهزة الدولة لمجرد أنها بادرت إلى القيام بمسؤولياتها في حماية السكينة العامة وصون الممتلكات الخاصة والعامة من أن تنالها أفعال الغوغائيين الذين دفع بهم دفعا للتكسير والتخريب والسلب وترويع الآمنين. - وهل من المسؤولية أن تثار هذه الأحزاب أمام ممارسة الأجهزة المعنية لصلاحياتها الدستورية في حفظ الأمن والاستقرار وإيقاف المظاهرات والمسيرات غير المصرح بها ، بعد أن وجد بعض الغوغائيين في تلك المظاهر منفذا لإشاعة الفوضى والتعدي على حياة الناس؟.. - ووجه الغرابة في الموقف أن هذا النوع من الاعتراض على القانون والوقوف في وجه تطبيقه يصنف ضمن أفعال التشجيع على التمرد على الأنظمة. - ولو أن الموضوعية والاهتمام بالتقدم الديمقراطي موضوع وقضية هذه المعارضة لاصطفت مع قرار انتخاب المحافظين والتسريع بعملية التحقيق الديمقراطي الكامل للانتقال إلى الحكم المحلي واسع الصلاحيات وليس الاكتفاء بالاعتراض على هذه الخطوة التي تمكن المواطنين من إدارة شأنهم المحلي وتعزيز مشاركتهم في تحمل المسؤولية الوطنية. - ولا تجد هذه النوعية ما يحول دون الربط بين النضال السلمي وأعمال الشغب والنهب والسلب والتخريب إذ لا يمكن لأي عاقل أن يستدل على أي مبرر لنشوء علاقة بين الدعاوى السلمية والدواعي التدميرية. - ولا تدل لفظة النضال على غير الانشداد للماضي الشمولي القائم على استعداء البعض ضد البعض الآخر ، ومن منابعه تتدفق ثقافة الكراهية والممارسات التي تكرس للخصومة بين أبناء الوطن الواحد. - ويصعب على كل من تهيمن عليه مثل هذه العقلية الانقلابية ، أن يعمل على تطبيع توجهاته ومواقفه مع المقتضى الحضاري للخيار الديمقراطي. وعلى غرار ذلك يكون الخوض المغامر في رهانات خاسرة ، فكما أن هذا البعض يرفض أن يقوم من حاز على ثقة الناخبين في صناديق الاقتراع بتنفيذ برنامجه الانتخابي والإيفاء بوعوده للمواطنين ، فإنه في الوقت نفسه يتصدر التحريض على الفوضى وتعطيل مسارات البناء والتنمية ، تحت تأثير التصور الواهم أنه بذلك سيصبح له دور يمكنه من اختلاس بعض المصالح من مصادر لا تعترف له بأحقية ذلك. - ويتكفل التشخيص الدقيق لهذه المواقف بالكشف عن التيه السياسي المسيطر على أحزاب المشترك. - وما لم تسارع هذه الأحزاب إلى إعادة تأهيل نفسها على قيم الشراكة الوطنية ، فليس لها من أمل في الشفاء من ذلك المرض العضال الذي يستشري داخل كياناتها في انتظار اللحظة التي يفتك بها إلى ما لا نهاية.