أبقت اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي العام في اجتماعاتها خلال اليومين الماضيين على أبواب الحوار مفتوحة للجميع في الساحة الوطنية على الرغم من محاولة البعض الدفع بالأمور إلى طريق مسدود. وفي هذا التأكيد تبرز الدلالة العظمى والمعنى الصادق على أن الحوار هو السمة الحاضرة والحية في كل التوجهات الوطنية باعتبار أن الحوار هو المرتكز الحضاري الذي يرقى بالممارسة الديمقراطية ويرتفع بمستويات وعي المكونات السياسية ويرشدها إلى المعاني الحقيقية التي تستمد منها العملية الديمقراطية جوهرها الأصيل وفعلها الإيجابي الذي يتم من خلاله العبور إلى المستقبل واللحاق بركب الحداثة والتطور. ولهذا نقول إن الحوار ولكي يؤتي نتائجه المثمرة فلا بد له أن يُبنى على المرجعيات الدستورية والقانونية والثوابت الوطنية لكون مثل هذه المرجعيات هي الناظمة أصلاً لقواعد ومعايير العمل السياسي والديمقراطي والتي بدونها تصبح الديمقراطية نوعاً من العبثية ومن يبحث عن الحوار بعيداً عن الالتزام بتلك المحددات إنما يسعى إلى تجريد الديمقراطية من أهم مبادئها وإفقادها أهم عناصرها والانحراف بغاياتها نحو منزلقات خطيرة لتتحول الديمقراطية من أداة للنهوض والتقدم وخدمة مصالح المجتمع إلى معول للهدم والخراب واستشراء عوامل الفوضى. ومن الخطأ الجسيم أن تصر بعض الأطراف الحزبية على طروحها ومواقفها التي تحلق من خلالها في الهواء دون إدراك منها أن اجراء الانتخابات النيابية القادمة في موعدها الدستوري يمثل استحقاقاً شعبياً وأنها بسعيها إلى إعاقة هذا الاستحقاق إنما تتجه إلى الانقلاب على هذا الحق واسقاط الوجه الشعبي للعملية الديمقراطية بل انها بعدم احترامها للمبادئ والمعايير والمرجعيات التي تقوم عليها مجريات الحوار تعلن خصومتها غير المبررة لتوجهات النهج الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة مدفوعة بالرغبة في الإبقاء على الأوضاع "محلك سر" إن لم تكن محاولة العودة بها إلى زمن الشمولية والتسلط. ولا ندري بأي منطق أو مبرر يسوغ البعض حديثهم عن الديمقراطية وهم لا يكنون احتراماً لدستور أو قانون ويأبون اللجوء إلى القضاء والاحتكام إلى سلطة العدلية ويعترضون سبيل مؤسسات الدولة في تطبيق النظام والقانون فبماذا وكيف سيحكمون إذا ما وصلوا إلى السلطة؟. وتبدو حاجة هؤلاء مؤكدة إلى الحوار أولاً حول قواعد والتزامات العمل الديمقراطي والحوار مطلوب لفض التشابك والخلط المفاهيمي لدى من يعجزون عن التفريق والتمييز بين ما هو سياسي وإداري واجتماعي في العملية الانتخابية وهي جوهر العملية الانتخابية. والموقف الخالي من إمارات التفكير المنطقي وعقلانية التفاعل تجاه العملية الجارية لتصحيح الجداول الانتخابية واحدة من أعراض الوعي التائه أو الغائب. ولولا هذه الإصابة لأدرك المعنيون بها أن القيد في السجل الانتخابي مسألة بل مسئولية إدارية بحتة ومجال التعاطي السياسي معها يتحدد في السعي إلى دفع الناخبين الجدد إلى التسجيل ومتابعة عملية تنقية الجداول من المتوفين وتغيير الموطن الانتخابي للأحياء وهو الأمر المتاح بحكم القانون الذي يوجب نشر الأسماء وإتاحة الاطلاع على الكشوف والطعن أمام القضاء بالحالات المخالفة. وعدم الاكتراث بالجانب القانوني والقضائي للإشراف والتصحيح يفرض على أصابع الاتهام أن تتجه إلى من يصدر عنهم تصرف كهذا وأنهم يتعاملون بدوافع حزبية ولأهداف سياسية خاصة مع العملية وليس غيرهم ممن يرمونهم بأحاديث الإفك. ولا أغرب من توجهات كهذه لا يعنيها أمر القانون النافذ في شيء ولم تبد ما يشير إلى رغبتها في التعامل معه، فتذهب إلى المطالبة بتعديل القانون الانتخابي وحين يحصل التعديل الذي طالبت به ترفضه.. فهل صادف أحد حالة بهذه الغرابة؟. وعلى من يعمد إلى فرض القبول بطروحه حول تغيير النظام الانتخابي دون نقاش أن يراجع موقفه عله يتلمس سبيله إلى اكتشاف الوضعية المتناقضة بل المتعارضة مع الديمقراطية التي أقحم نفسه فيها. والجلي في هذه الوضعية حالة عدم القبول بالرأي الآخر وحرمانه قسراً من التعبير عن نفسه ومصادرة حظوظه بل حقوقه من الاعتبار وحسابات التقدير والترجيح للخيارات. وتلك هي الوضعية التي تمارس عملية الفرض لتصوراتها على الآخرين من زاوية مصادرة حق الشعب في أن يقول كلمته ويقرر اختياره في شأن يتعلق بالنظام الديمقراطي، وهو النظام غير القابل أو غير المسموح التصرف الانفرادي فيه من طرف حزبي وسياسي مهما كان. ويؤكد المشهد السياسي بأكمله والمظاهر السلبية للممارسات الجارية في إطاره على وجه الخصوص أن من الضرورة بمكان مواصلة التمسك بقيم الحوار والذود عن الديمقراطية والحفاظ عليها من التوجهات العدوانية، والانتصار للشعب والمستقبل اليمني الأفضل، من خلال تأمين مسيرة الديمقراطية وبلوغ قمة الاكتمال. وعلينا أن نخوض هذه المعركة وأن نكسبها بعزم وثقة واقتدار.