إذا كان من حق أي شخص أو جماعة أو حزب في إطار التعددية السياسية وحرية الرأي أن يعبر عن رؤاه وتوجهاته ومواقفه وكل ما يتصور أن يحقق له فائدة أو مصلحة ذاتية أو حزبية لا يعني بالضرورة أن ما يطرحه ملزم للآخرين خاصة إذا ما جاء متعارضا مع قواعد الالتزام بالدستور والقوانين النافذة، باعتبار أن الدستور هو العقد الاجتماعي الذي توافق عليه الجميع وتم إقراره عبر استفتاء شعبي وليس لأحد الخروج عليه، أو التعاطي مع مرجعيته وفقا للأهواء والأمزجة الشخصية، أو الحزبية، كون مثل هذا التجاوز أمرا مرفوضا، والقبول به يعني فتح المجال لاستشراء عوامل الفوضى والتناحرات والصراعات التي تهدد السلم الاجتماعي وتدفع إلى أزمات داخلية يكتوي بنيرانها جميع من في الوطن. وبما أن الدستور هو المرجعية التي توافق عليها كل أبناء المجتمع بمختلف تلاوينهم الحزبية والسياسية والفكرية فقد جاء ترحيب فخامة الرئيس علي عبدالله صالح رئىس الجمهورية في كلمته يوم أمس بمحافظة تعز بأطروحات الحوار والإصلاح الملتزمة بالدستور والقوانين النافذة باعتبار أن ذلك هو المرتكز الذي ينبغي أن تحتكم إليه أية تباينات في الرؤى بين أطراف العملية السياسية والحزبية، وليس من حق أي طرف استخدام التبريرات للتحلل من هذا الالتزام وإذا ما حدث مثل هذا التصرف فإنه يمثل خطيئة كبرى تسيء للديمقراطية.. وجوهر العمل السياسي والحزبي السليم خاصة وأن الأحزاب والتنظيمات السياسية هي من تستمد مشروعية وجودها من مرجعية الدستور والقوانين النافذة. وبالتالي يخطئ أي شخص أو جماعة أو حزب إذا ما اعتقد أو توهم بأن ما يتردد في المقايل والندوات من نقاشات وما يُنسج فيها من تكتيكات وتصورات أحادية الجانب يمكن أن يكتب لها النجاح إذا ما تم تغليفها بإثارة الزوابع وترديد الأباطيل والسعي إلى خلق حالة من الاحتقان السياسي من شأنها تعكير صفاء ونقاء الاستحقاق الانتخابي المقرر إجراؤه في سبتمبر المقبل، فالحقيقة أن من يسلك هذا الطريق المعوج إنما هو واهم ان لم يكن ظالما لنفسه، لأنه الذي لا يريد أن يستوعب أن الديمقراطية في كل بلدان العالم تؤطرها قواعد دستورية واضحة، تنظم مساراتها وتحميها من الانزلاق في مهاوي الفوضى والتخبط. ولأن الديمقراطية هي من تستمد قوتها وحيويتها من إرادة الجماهير، فليس من الحكمة أن يسعى البعض إلى تلغيم الحياة السياسية برؤى وتصورات خاطئة لا تعبر سوى عن أصحابها، وليست ملزمة للآخرين وبوسع من يروجون لمثل هذه الرؤى ويتصورون أنها ستكون أكثر اجتذابا لأصوات الناخبين واستدراراً لعواطفهم واسترضاءً لرغباتهم أن يناضل من أجل تحقيق تلك الرؤى من خلال نيل ثقة الجماهير عبر صناديق الاقتراع والوصول إلى ساحة البرلمان انطلاقا من تقديم البرامج السياسية التي تحقق له تلك المكانة وخوض غمار التنافس بوسائل شريفة بعيدة عن أساليب التضليل وتزييف الحقائق واعتسافها. وفي هذا السياق نود الإشارة إلى أن الحديث عن الإصلاحات لم يعد وسيلة يمكن المزايدة بها، إذا ما علمنا أنه لم يعد هناك من يجهل ما قامت به اليمن من إصلاحات سواء في الجوانب السياسية أو الديمقراطية أو الاقتصادية أو القضائية أو التشريعية والمالية والإدارية، فقد بدأت هذه العملية منذ وقت مبكر، وظلت مستمرة في جوانبها، ومثل إعادة تحقيق الوحدة اليمنية أكبر عملية إصلاح في التاريخ الوطني مما يعني أن الإصلاحات لم تكن يوما وليدة توجهات مرحلة بعينها، بل إن الأمر المؤكد أن لليمن أجندتها الوطنية لعملية الإصلاحات التي يجري تنفيذها وفقا للمواعيد الزمنية المحددة لها انطلاقا من اعتبارات المصلحة الوطنية وليس رضوخاً لشروط أو إملاءات خارجية. وقد سبق لبلادنا أن أكدت أنها التي ترفض أن تملي عليها أية جهة ما تنهجه من سياسات ومواقف، ولعل الجاحدين هم وحدهم الذين يتجاسرون ويديرون ظهورهم للحقائق بعد أن استبدت بهم نوازعهم الضيقة وأهواؤهم الحزبية الأنانية وقذفت بهم إلى التخندق وراء دعاوى التشكيك دونما إدراك بأن ذلك هو من ينعكس على مواقفهم وسمعتهم بين أوساط المواطنين. وفي المجمل فلا بد وأن يدرك الجميع بأن الوطن بحاجة إلى تضافر جهود كل أبنائه في معركة البناء والتنمية.. فهي التحدي الأكبر الذي ينبغي أن يحتل الدرجة الأولى من الاهتمام.. كما أن هذا الوطن بحاجة أيضا إلى التكاتف والتعاون وتشمير السواعد في ميادين العمل والإنتاج والسير معا في اتجاه ما يحقق له المزيد من النهوض والازدهار في مختلف مناحي الحياة.. بعيدا عن المزايدات والمكايدات وأساليب التضليل. ويبقى كل شيء قابل للحوار والنقاش إلا تجاوز الدستور والقفز على القوانين النافذة.