من يقرأ بشكل عميق معطيات الحراك اليومي والتفاعلات الحزبية والسياسية وما يطفو على السطح بين وقت وآخر من تصعيد وخلق توترات وحالة خوف داخل المجتمع أكان تجاه الأعمال الإرهابية أو عمليات الاختطافات أو تجدد مظاهر التمرد والفتنة وإذكاء النعرات والدعوات الجهوية والمناطقية وغيرها، يدرك الحاجة الماسة لخلق اصطفاف وطني واسع يتجاوز التباينات الحزبية والسياسية والانتماءات الفكرية والجهوية ويتوحد من خلاله الجميع خلف ثوابت وطنية تتلخص في دولة مؤسسات قوية يحتكم فيها الجميع للدستور والقانون. ومن يحب هذا الوطن من المؤكد أنه سيقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف ولكنه لن ينحاز إلا للوطن وللشعب مهما كانت مبررات وحجج كل فريق، وحيث أن لكل طرف إيجابيات وسلبيات ولا يمكن لأحد أن يمتلك الحقيقة المطلقة ويرمي الأخطاء على غيره. فالسلطة لا أحد يستطيع أن ينكر أو يتنكر لحجم الإنجازات التي تحققها ولا زالت تطمح لتحقيقها أكان على صعيد المشاريع الخدمية والتنموية أو جهود الإصلاحات السياسية والديمقراطية والتشريعية والقضائية لكنها تظل من خلال الحكومة والأجهزة التنفيذية والأدوات التي تتعامل من خلالها كدولة ونظام سياسي غير منزهة عن الأخطاء والقصور والتجاوزات والفساد الذي يخلق حالة امتعاض وعدم رضا وأحياناً شعور بالغبن والإقصاء لدى البعض الذين يتحولون إلى قوة مضادة وأحياناً شرارة أعمال مصبوغة بالحقد والكراهية أو مرتهنة نتيجة عدم وعي لتحركات تمتطي صهوة الشعور بالغبن لدى أصحاب نوايا حسنة لتحقق مآرب ومخططات مشبوهة لأصحاب النوايا غير الحسنة. كما أن القوى والتيارات الحزبية والسياسية وتلك الجماعات التي تتمترس خلف توجهات فكرية أو مذهبية أو جهوية تستطيع أن تدينها وتستنكر أي أعمال تقوم بها خلافاً للاحتكام للدستور والقانون ومرجعية الثوابت الوطنية وتقول من ذلك بأنها أخطاء وسلبيات ينبغي أن يتلافاها أصحابها ما لم فعلى الدولة والسلطة أن تقوم بمسؤولياتها وواجباتها .. لكنك في المقابل لا تستطيع أن تلغي كل جانب حسن وإيجابي لهؤلاء وخصوصاً عندما يطرح لك رؤية تنطلق من ثوابت وطنية وحب للوطن وأمنه واستقراره ويقيم لك الأمور من منظور أن الخطر الحقيقي على الوطن ووحدته وأمنه واستقراره ينبعث من تحت رماد الممارسات الخاطئة والفساد والقصور والتجاوزات والمحسوبية وعدم الكيل بمكيال واحد في التصدي لكل حالة خروج عن الدستور والقانون أكانت من قبل عناصر في السلطة أو خارجها. وأنا حقيقة عندما أقرأ يومياً في صحفنا المختلفة ما يكتب من بيانات وتقارير أكانت تصدر عن عناصر في الخارج أو تيارات في الداخل أصاب بحالة قلق على الوطن ووحدته وأمنه واستقراره وتقدمه ومستقبله الأفضل. وأعتقد بأنني أصبحت على قناعة كبيرة وعميقة بأن الأحزاب السياسية المتمثلة بالمؤتمر الحاكم وتكتل المعارضة الرئيسية المنضوية في إطار اللقاء المشترك قد فعلت خيراً بتوافقها واتفاقها على تأجيل الانتخابات النيابية لصالح المشروع في إصلاحات سياسية وديمقراطية وانتخابية. البعض يقول كيف توافق المعارضة على التمديد لمشروعية حزب الأغلبية الحاكم سنتين إضافيتين وبالمجان؟ وهل هناك صفقة يجري بموجبها تشكيل حكومة جديدة تمثل كافة القوى السياسية الفاعلة؟ ولأن التكهنات مشروعة فإن التمنيات على أحزاب السلطة والمعارضة أن تنحاز للمصلحة الوطنية أولاً وأخيراً، وبحيث تخاطب المعارضة الحاكم من منظور واحد وهو أننا اتفقنا على التمديد على أساس المشروع في إصلاحات سياسية وانتخابية ينبغي إنجازها، أما مسألة الحكومة وتمثيلها فإن المصلحة الوطنية لا تقتضي المشاركة والتمثيل الواسع وإنما تستوجب معادلة واحدة وهي أن حزب الأغلبية هو من يحكم منفرداً لكن عليه أن لا يلتزم للمعارضة بإدخال عناصرها وممثليها وإنما يلتزم للوطن بإخراج كل العناصر الفاسدة والغارقة في ممارسة التجاوزات والاختلالات والعبث والاقصاء والدفع بالوطن نحو حالة من الاحتقان السياسي والجهوي والمناطقي وكل ما يمت للنعرات بصلة.