بقدر اعتزازنا بالنقلة النوعية التي حققها اليمن على الصعيد الديمقراطي وحرية الرأي والتعبير وما تمخض عنها من انفتاح على جوانب الممارسة للحقوق السياسية، نجد أن مسؤولية الحفاظ على هذا التطور الديمقراطي تقع على كافة القوى الوطنية أحزاباً وتنظيمات سياسية ومنظمات مجتمع مدني وفعاليات اجتماعية ونقابية وشعبية ومواطنين أفراداً وجماعات. حيث توجب عليهم هذه المسؤولية الاضطلاع بدورهم في التصدي لكل السلوكيات والممارسات التي تسعى إلى استغلال هذا الانفتاح لانتهاك مفهوم الديمقراطية وتجاوز النظام والقانون والمساس بأمن الوطن واستقراره وإثارة الفتن والأزمات وإشاعة ثقافة الكراهية والبغضاء عن طريق إعادة إحياء النعرات المذهبية والسلالية والشطرية والمناطقية والترويج للمشاريع الصغيرة بهدف النيل من الثوابت الوطنية ونشر الفوضى التي لن يسلم من وبالها أحد. إذ أن من المفارقات الغريبة أن يقوم البعض بوعي أو بدون وعي بتوصيف مثل تلك الأفعال المنحرفة في إطار حرية التعبير، ولا ندري بأي معيار أو منطق يمكن لنا أن نفهم أن الخروج على النظام والقانون والتمرد على الثوابت الوطنية والارتداد عن مبادئ الثورة "26 سبتمبر و14 اكتوبر" والنكوص الآثم عن قيم الوحدة الوطنية، ممارسات ذات صلة بالعمل الديمقراطي أو بحرية الرأي والتعبير!!. ومن المخجل أيضاً أن يحاول بعضنا شطب ما تراكم في ذاكرتنا عن تاريخ تلك القوى الارتدادية من بقايا ومخلفات الإمامة والاستعمار "الأنجلوسلاطيني" التي ظلت على الدوام تناصب الوطن وثورته ونظامه الجمهوري ووحدته العداء، لنتوهم بأن ما تفعله تلك القوى ليس سوى فعل طائش مفاجئ وكأننا قد نسينا ما سبق أن اقترفته هذه القوى المأزومة التي ما زالت تحلم بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، من جرائم بحق هذا الوطن وما حاكته من مؤامرات ودسائس ضد أبناء الشعب اليمني طوال السنوات الماضية. ومكمن الخجل هنا، أن يختزل كل ذلك في دائرة تبرير المواقف وما اكتنفها من سلبية حيال واجب التصدي لتلك النتوءات التي تحاول النخر في جسد الوطن اليمني وثوابته مع أن أي تخاذل عن هذا الواجب لا يمكن تبريره بأي حال من الأحوال باعتبار أن حماية الوطن والحفاظ على مكاسبه وإنجازاته وأمنه واستقراره هي مسؤولية كل أبنائه بلا استثناء. لقد كشفت المحاولات البائسة والخائبة لبقايا الماضي البغيض سواء من تساورهم الأحلام المريضة أن بوسعهم إعادة اليمن إلى مرحلة ما قبل الثورة اليمنية (26 سبتمبر و14 اكتوبر) أو من يتوهمون أن بإمكانهم إعادة الأوضاع في هذا البلد إلى ما قبل الثاني والعشرين من مايو عام 1990م أن تلك العناصر تعاني من إعاقة ذهنية ونفسية وأنها لم تستفد من كل الدروس والعبر والهزائم النكراء التي حاقت بمن سبقها ممن حاولوا التطاول على هذا الوطن وثوابت أبنائه. وبالتالي فلا غرابة أن تضع تلك العناصر المأزومة نهايتها بنفسها وأن يكون مصيرها في نهاية المطاف ذات المصير الذي استحقه أمثالها من أعداء اليمن إن لم يكن مآلها أسوأ من ذلك، خاصة بعد أن سقطت ورقة التوت الأخيرة التي ظلت هذه العناصر تواري بها أهدافها ونواياها البشعة، وهاهي لحظة الحقيقة تفضح مراميها وأحقادها وما تحمله من خبث وأمراض قاتلة. ورداً على من قد يتساءل عما يمكن لنا القيام به في مواجهة الارتداديين الجدد، نقول: إن الذاكرة الوطنية ليست بحاجة إلى من يعيد تنشيطها لكي تستعيد أو تستحضر مسلسل المخطط التآمري الذي ارتبطت به مثل هذه النوعية من البشر ممن أعمى الله أبصارهم وبصائرهم واستوطنت الكراهية قلوبهم فصاروا لا يميزون بين الحق والباطل حيث وأن جميع أبناء الوطن اليمني يدركون جيداً تاريخ تلك الحفنة المتآمرة وما تضمره من عدوانية بحق هذا الوطن وشعبه وأن سلوكها المنحرف الذي لم يتغير في الماضي لن يتغير في الحاضر وحتى في المستقبل، لكونها أدمنت على الخطايا والسير عكس التيار. وفي هذه الحالة فإن مواجهة هذه النوازع الموبوءة تقتضي تطبيق الدستور والقانون بحزم وصرامة على كل من تسول له نفسه العبث بأمن واستقرار الوطن والإضرار بالسكينة العامة عن طريق إخضاعه للعدالة ومحاسبته على تماديه في الانحراف والضلالة وحينئذ سيعلم أمثل هؤلاء علم اليقين أن ما ظلوا يلهثون وراءه لم يكن أكثر من أوهام عشعشت في خيالهم المتهتك والمريض وأنهم سيعضون أصابع الندم في لحظة لا تنفع فيها الحسرة والندامة.