يحتفل هذه الأيام شعبنا الأبي وقواتنا المسلحة الباسلة بعيد الجمهورية اليمنية المباركة التاسع عشر, عيد إعادة تحقيق وحدة الوطن التي ظلت وعبر التاريخ اليمني المعاصر حلما وهاجساً في وجدان شعبنا اليمني وهدفاً عظيماً ناضل في سبيل تحقيقه كل أبناء اليمن الأحرار عقوداً من الزمن .. وجاءت الثورة اليمنية الخالدة (26سبتمبر/ 14أكتوبر) لتؤكد إصرار الجماهير على تحقيق الوحدة اليمنية كهدف عظيم من أهداف الثورة التي دكت معاقل الإمامة والكهنوتية وأرغمت الاستعمار الغاشم على الجلاء عن أرض الوطن .. وجاء يوم 22 مايو 1990م متوجاً بنضال الجماهير وتحقيق حلمه الكبير بإعادة تحقيق الوحدة اليمنية لينتقل اليمن من عهد الفرقة والتشطير إلى عهد الروابط الأسرية وعهد التواصل المباشرين بين كل أبنائه في ظل قيادة فخامة الأخ علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية الذي شهد الوطن اليمني في عهده الميمون أعظم الإنجازات الوطنية في كافة مجالات الحياة . تبقى الوحدة حلما يراود كل الشعوب وهدفاً سامياً يواصلون السعي من اجل تحقيقه لما للوحدة والتضامن والاجتماع والإخاء من منزلة عظيمة، وآثار فريدة، ولما للفرقة والخلاف والتنازع والشقاق من آفات وأمراض كثيرة، وشرور مستطيرة، لذلك جاء ديننا الحنيف يحث على التآلف والمودة واجتماع الكلمة ووحدة الصفوف، والتحذير الشديد من التنافر والفرقة والشقاق والتنازع، حيث جاء التأكيد القرآني على ذلك فاعتبر التوحد من باب التقوى وجعل التفرق من باب عدم الاعتصام بحبل الله وبالتالي فهو نكران للنعم التي أهمها التآلف ونبذ العداوة فقال عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ *وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ). [آل عمران: 102 - 103] . كما اعتبر وحدة الأمة رحمة من الله تعالى واعتبر الاختلاف نكران لرحمة الله وجعل مصير أصحابه جهنم والعياذ بالله فقال تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) [هود: 118 - 119] روى ابن جرير عن الحسن في معنى قوله تعالى: (( وأما أهل رحمة الله فإنهم لا يختلفون اختلافاً يضرهم)). وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ( خلقهم فريقين: فريقاً يرحم فلا يختلف، وفريقاً يختلف فلا يرحم ؛ وذلك قوله: فمنهم شقي وسعيد)). وكان الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم دعاة لوحدة الصف وجمع الكلمة، قال الإمام البغوي: ((بعث الله الأنبياء كلهم بإقامة الدين والألفة والجماعة وترك الفرقة والمخالفة)). ولقد تكرر الأمر في السنة بالاعتناء بالاجتماع ووحدة الصف، وتكرر النهي عن التفرق والاختلاف، ومما ورد في ذلك: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إن الله يرضى لكم ثلاثاً، ويكره لكم ثلاثاً: فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا. ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال)) قال النووي وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ((«ولا تفرقوا» فهو أمر بلزوم جماعة المسلمين، وتآلف بعضهم ببعض، وهذه إحدى قواعد الإسلام)).وعن الحارث الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بها ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها..... الحديث وفيه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: وأنا آمركم بخمسٍ اللهُ أمرني بهن: السمع، والطاعة، والجهاد، والهجرة، والجماعة؛ فإنه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه، إلا أن يرجع ...)). فالوحدة والاجتماع من سمات أهل السنة , قال الطحاوي رحمه الله: ((ونرى الجماعة حقاً وصواباً، والفرقة زيغاً وعذاباً)) . ثمة أناس يثيرون الفرقة يدفعهم لذلك الاجتهاد الخاطئ، أو السعي إلى تحقيق مصالح شخصية، لكن يغيب عنهم أن مصالح الاجتماع لا تقارن بالمفاسد الناشئة عن الافتراق والاختلاف. قال ابن مسعود رضي الله عنه:((يا أيها الناس عليكم بالطاعة والجماعة؛ فإنهما السبيل في الأصل إلى حبل الله الذي أمر به، وإن ما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفرقة)). لئن كان الاجتماع ووحدة الصف ضرورة في كل وقت وحين، فالواقع اليوم أحوج إليه من أي وقت مضى, لان في الافتراق والخلاف إضاعة للجهود، وتشتيت للطاقات وخدمة للأجنبي ولأعداء الوطن . وهنا لابد من التأكيد إن الخلاف في الرأي وتتعدد الاجتهادات لا بد أن يحصل ، لكن من واجب المسلم أن يحذر من أن يؤدي ذلك إلى اختلاف القلوب، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه من ذلك؛ فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رجلاً قرأ آية، وسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ خلافها، فجئت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فعرفت في وجهه الكراهية، وقال: (( كلاكما محسن، ولا تختلفوا؛ فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا)). ومن يتأمل واقع المسلمين الأوائل يرى ذلك جلياً؛ فكانوا يختلفون ويسود بينهم الحوار والمناظرة والجدل بالتي هي أحسن وكانوا يتناظرون في المسألة مناظرة مشاورة ومناصحة، وربما اختلف قولهم في المسألة العلمية والعملية مع بقاء الألفة والعصمة وأخوة الدين..إنه من الصعب التصور أن يسعى شخص بقصد مسبق وإرادة وتصميم إلى شق وحدة صف الأمة إلا إذا كان في قلبه مرض ونفاق وكره لانتصار الوطن ورفعته ، لكن عامة ما يحصل إنما هو شعور بالغيرة والحقد على الدولة لأسباب ذاتية نفسية بعيدة عن مصلحة الوطن والشعب. إن أية قضية يمكن معالجتها وإيجاد الحلول لها إلا المساس بالوحدة والثوابت الوطنية والإضرار بالأمن والاستقرار والسلم الاجتماعي فتلك خطوط حمراء ليس من حق أي كان الاقتراب منها ومحاولة النيل منها وتحت أي مبرر أو حجة لأن الوحدة ابتداءً وانتهاءً هي ملك للشعب الذي قدم في سبيلها التضحيات السخية وقوافل الشهداء من أبنائه على مدى مسيرته النضالية الطويلة ، وبالتالي فإن أي اعتداء أو تطاول على الوحدة إنما هو عدوان على تاريخ النضال الوطني ومبادئ الثورة اليمنية (سبتمبر وأكتوبر) بل هو جريمة تطال حاضر اليمن الذي في ظل وحدته اكتسب مكانة مرموقة على الصعيدين الإقليمي والدولي, حتى صارت بلادنا وجهة الرجاء والأمل السياسي والإنساني لكل من ينشدون الحرية ويناضلون من أجل حقوق الإنسان. إذا كان ال22 من مايو المجيد يعد يوماً تاريخياً خالداً في حياة عموم أبناء شعبنا اليمني إلا انه له وقع خاص ومكانة متميزة في قلوب وضمائر ونفوس أبناء القوات المسلحة والأمن الذين يمثلون الطليعة المتقدمة من أبناء الشعب وهم ممثلو إرادته لان هذا اليوم الخالد هو يوم انتصار الإرادة اليمنية الواحدة والذي جاء تتويجا لانتصارها في الثورة اليمنية (سبتمبر وأكتوبر) فضلاً على ما حظيت به القوات المسلحة في ظل الوحدة المباركة من الرعاية والدعم المتواصلين من قبل قيادتنا السياسية والعسكرية ممثلة بفخامة الرئيس علي عبد الله صالح رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة الذي أولاها اكبر قدر من الاهتمام في إعادة بنائها وتنظيمها وتحديثها وتطويرها وفق احدث الأسس العلمية والتقنية الراسخة.. وهاأنتم تشهدون بأم أعينكم ما وصلت إليه قواتنا المسلحة الباسلة من مستوى متقدم ورفيع في مجالات الإعداد والتدريب والتأهيل ومن التنظيم والتسليح فأصبحت اليوم مؤسسة وطنية كبرى قادرة على حماية أمن واستقرار وطن ال22 من مايو المجيد... إن الدفاع عن الوحدة الوطنية يعتبر واجباً دينياً وشرعياً على كل إنسان يملك عقلاً راجحاً وفطرة سليمة وهو مسئولية جميع أبناء الشعب اليمني كبيرهم وصغيرهم متعلمهم وأميهم وفي مقدمتهم أبناء القوات المسلحة والأمن باعتبارهم حماة الوطن وسوره العالي ودرعه الحصين ، فالمصير واحد والخندق واحد والسفينة واحدة وهذه حقيقة يقر بها جميع أفراد الشعب اليمني إلا أولئك النفر الضال الذين تم مسخ فطرتهم وأفكارهم فلم يعودوا يفرقون بين الحق والباطل وبين مصلحة الوطن والإضرار به, فمن حق كل مواطن يمني أن يحاول تصحيح ما يراه خطأ وفق المسارات القانونية والدستورية المتاحة وبطرق حضارية سلمية وسليمة، أما أن نجعل من الوحدة الوطنية مجالاً للأخذ والرد ومجالاً للمساومات والمزايدات فهذا أمر مرفوض تماما ولا يجوز مطلقاً.