شاركت مؤخرا في حلقة تلفزيونية حول خطف الاجانب في صعدة وكان الاخ سعيد الجمحي الذي شارك في هذه الحلقة من صنعاء قد اشار علينا الا نصف الانفصاليين باالمهزومين والوحدويين بالمنتصرين لان هذا الوصف من شأنه في بلد كاليمن أن يثير النفوس ويعظم ردود الفعل السلبية لانه يسقط بطريقة سيئة على المعنيين بالوصف ويخلف آثارا نفسية سيئة. والحق ان هذه الملاحظة تستدعي اهتماماً اكبر بتداول المصطلحات الخاصة بتلك الفترة في وسائل الاعلام اليمنية على اختلافها ذلك ان قسما ممن قاتلوا الى جانب الانفصاليين في تلك الحرب كانوا معبئين تعبئة خاطئة ومع ان قياداتهم تتحمل المسؤولية عما حصل فان ذلك لا ينفي حقيقة انهم شاركوا في القتال وبالتالي لابد من مخاطبتهم بلغة متناسبة مع الظروف اليمنية الخاصة. والحديث عن الهزيمة يقابله ايضا الحديث عن الانتصار فالتيار الوحدوي انتصر في تلك الحرب ليس من اجل تحقيق الغلبة لفئة على اخرى ولجهة على جهة ثانية وانما من اجل الحفاظ على الوحدة اليمنية التي انتظرها اليمنيون بفارغ الصبر طيلة سنوات الاستعمار و الحرب الباردة. وبالتالي لم يكن الامر انتصارا جهوياً او قبلياً وبما ان بعض المغرضين ينقله الى هذه الخانة في اطار التحريض الجهوي فمن المستحسن اعادة النظر في الوصف والبحث عن مصطلح يفيد المعنى نفسه ويجرد المحرضين من مادة دعاوية مهمة. واذا كان لا بد من استخدام وصف لا يثير النفوس ولا يستخدم في حملات تعبوية سلبية فليكن": "انتصار الوحدة وهزيمة المشروع الانفصالي" هذا اذا كان الحديث يتصل بالحرب ذلك ان الحرب تنطوي بالضرورة على هزيمة مشروع وانتصار مشروع اخر. ويمكن ايضا اللجؤ الى وصف "انهيار " او " اخفاق" المشروع الانفصالي و" ثبات" او " الحفاظ " على الوحدة. ويمكن ايضا الحديث عن انتصار "اليمن الموحد" على "الفتنة الوطنية الانفصالية" ويمكن العثور على اوصاف وتعابير لا تؤذي مشاعر فئة من اليمنيين هذا اذا كانت مؤذية بالقدر الذي وصفه زميلنا في الحوار التلفزيوني المشار اليه آنفا وذلك من اجل التئام الجراح وقطع الطريق على المساعي الانفصالية اليائسة. وما دمنا نتحدث عن المصطلحات فلا بد من التأكيد على ما اشار اليه الصديق نصر طه في زوايته المنشورة في العدد الماضي من صحيفتنا حول مصطلح "الحرب الاهلية" فهو محق في الاستنتاج ان ما وقع في السابع من تموز يوليو عام 1994 لم يكن حربا أهلية وانما قتالا عسكريا بين وحدات نظامية. وهنا لا بد من توسيع النقاش وبالتالي العودة الى مصطلح الحرب الاهلية كما يصنفه علماء الحرب اذ يقولون " ان الحرب الاهلية هي الحرب التي تقع بين الاهل في بلد واحد" وبما ان الاهالي لم يشاركوا في هذه الحرب وانما وحدات عسكرية نظامية حصرية فان المصطلح الاقرب الى واقعها هو " الحرب المحدودة" وهي بالفعل كانت محدودة زمنيا ومحدودة في اضرارها البشرية ولم يقتل فيها الناس على اساس انتماءاتهم الجهوية وهذا ينطبق على الطرفين المتقاتلين فقد سقط شماليون وجنوبيون مع الطرف المدافع عن المشروع الوحدوي وسقط شماليون وجنوبيون مع الطرف الذي شكل حكومة انفصالية خلال الحرب. ولعل مصطلح "الحرب الاهلية" يتناقض تماما مع خطب الانفصال التي تزعم ان الامر يتصل ببلدين وليس ببلد واحد فكيف تكون حرب صيف العام 1994 حرباً اهلية اي بين اهل بلد واحد طالما ان الزعم الانفصالي مبني على صيغة البلدين. هنا يبدو لي ان اللغة تخون الانفصاليين انفسهم وتفصح عن الحقيقة اليمنية الواحدة و الراسخة حتى في لاوعي مناهضيها المحليين. وما ينطبق على الانفصال الجهوي ينبطق ايضا على الانفصال المذهبي ذلك ان ما وقع في صعدة لم يكن حربا اهلية وانما قتال عسكري بين الجيش المكلف دستوريا بالحفاظ على وحدة أراضي اليمن وعلى سيادته واستقراره وبين متمردين مسلحين محصورين في اجزاء من محافظة واحدة رفضوا مزوالة العمل السياسي و التعبير عن انفسهم بالشروط القانونية التي رسمتها الدولة وبالتالي خرجوا على القواعد المرعية الاجراء، وبديهي القول ان القتال لم يكن بين عدنانيين وقحطانيين ناهيك عن انه لم يكن بالقطع بين منتمين الى مذهبين ولم يتخذ بعدا طائفيا. انه ببساطة تامة رد عسكري مشروط من دولة مستقلة على تمرد مسلح داخل حدودها. ويمضي بنا حديث المصطلحات ايضا الى مفهوم " المصالحة الوطنية " وهو تعبير تستخدمه المعارضة او بعض اطرافها كحل للمشاكل التي طرحت في المحافظات الجنوبية والشرقية.واذا كان هذا المصطلح يعبر عمليا عن فئات وطنية متنازعة فهو يصطدم جوهريا بالخطاب الانفصالي الذي يتحدث عن وطنين وبالتالي لا ينطوي على حل وطني لمشاكل وقعت في وطن واحد ولعل شرط المصطلح وقالبيته للتداول يكمن في تخلي الانفصاليين عن خطابهم الانفصالي واقرارهم بأبدية الوطن اليمني الواحد ولا نهائيته وهو ما لم يتم وقد لايتم بداهة في ضؤ الوقائع المتداولة. من جهة ثانية ينطوي هذا المصطلح على مساواة جائرة بين فئة محدودة من اصل 22 مليون يمني والاكثرية الساحقة من اليمنيين ويهمل حقيقة ساطعة مفادها ان الدولة أبدت قدرا غير معهود من التسامح في هذه القضية اذ اعلنت العفو العام عن كل الانفصاليين تحت شعار " الوطن يتسع للجميع" فكان ان وجهت مؤخرا بحديث الدولتين والوطنين و"الفيدين"...الخ. ونختم حديث المصطلحات بعبارة" عودة الفرع الى الأصل" وهنا اعترف انني رغم متابعتي للتطورات اليمنية عن كثب فانني لا اعرف من طرح هذه العبارة وكيف تم تداولها من بعد على نطاق واسع.وقد لفتني مؤخرا ورود هذه العبارة في خطاب للمرشح السابق للرئاسيات اليمنية الاستاذ فيصل بن شملان وتعقيبه ان لا احد في اليمن يملك حق الادعاء انه اصل والاخرين فرع وهو محق تماما في هذه النقطة فلا يحق لاي كان الادعاء بوجود اصل وفرع في اليمن تماما كما لايحق لأحد الزعم بان هذا البلد صالح للقسمة على اثنين. ان منطق الوحدة ينطوي في كل معانيه المعروفة على مساواة تامة بين موطنين ينتمون الى بلد واحد وبالتالي لا يمكن لطرف ان يكون يمنيا اكثر من الطرف الاخر الا عندما يتصل الامر بالوحدة والانفصال. اما الظلم والاضرار الناجمة عن الفساد او عن سؤ التدبير او عن بعض القرارت والاجراءات الحكومية الخاطئة فلا يمكن تصنيفها في اطار الفرع والاصل ..الا اذا كان المصنف من ذوي النوايا السيئة