هناك قول معروف أو حديث مفاده:«من تمسك برأيه ضل» ومن الناحية العملية فإن مضمون هذا القول اصبح ينطبق حرفياً على واقعنا في العالمين العربي والاسلامي.. ولم يقتصر ذلك على الزعماء والسياسيين فحسب وانما امتد ليشمل علماء الدين الذين يتشددون في فرض وجهات نظرهم وفتاواهم على الاخرين حتى لو كانت تخالف النصوص الفقهية الصحيحة.. وهكذا هو حال الحكام والسياسيين الذين يقودون الامة.. فما يقولونه هو (الصح) في نظرهم ولا يحق ان يناقش او يتم الاعتراض عليه. ان هذا التفكير العقيم وعقدة التحكم لدى اغلب قادة الامة وحكامها وعلمائها هو الذي اوصل حال العرب والمسلمين الى مرحلة من الهوان لم يسبق لهم ان شهدوه خلال تاريخهم القديم والحديث وبذلك اصبحوا فريسة تتحكم في مصائرهم اضعف الامم مثل اليهود الذين ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة الى يوم القيامة.. ومن شدة خوفهم لا يقاتلون الا من وراء جدر كونهم اجبن خلق الله. لكن لانهم وجدوا الشعوب العربية والاسلامية قد اصبح باسهم بينهم شديداً ورحماء امام اعدائهم نتيجة افتقارهم لقادة حكماء يأخذون بمشورة اصحاب الرأي الصائب فقد استغلوا هذا الفراغ الكبير الذي يعيشه العرب والمسلمون فتدخلوا ليملؤوا هذا الفراغ ويخلقوا لدى الامة اسطورة القوة التي يتمتع بها عدوها واستطاعوا ان يجعلوا حكامها يعيشون خوفاً وذعراً ليسلموا بالامر الواقع. وهذا ما هو حادث فعلاً.. فلا يوجد شعب من الشعوب العربية والاسلامية الا ويصور له حكامه بأن دولة الكيان الصهيوني بفضل الدعم الامريكي والاوروبي لها قد اصبحت هي المهيمنة على كل دول المنطقة.. وان من يفكر بمواجهتها عسكرياً سيخرج خاسراً ومهزوماً.. وهذه الحقيقة اكد عليها احد المحللين السياسيين العرب وهو يتحدث بداية هذا الاسبوع لاحدى القنوات الفضائية محذراً من تفكير العرب في مواجهة اسرائيل عسكرياً حتى لا يخرجوا مهزومين مرة اخرى وتحتل اراضيهم وطالب بتفعيل مبادرة السلام العربية ومحاولة اقناع حكومة اسرائيل بالقبول بها بعد تعديلها. هكذا يتم الترويج لقوة اليهود وما وصلوا اليه من تجبر وكبرياء اوصلهم حد التفكير بهدم المسجد الاقصى وبناء على انقاضه ما يسمونه بهيكل سليمان المزعوم.. وفي الوقت نفسه يحاولون فرض على الدولة العربية والاسلامية التطبيع مع كيانهم والاعتراف باسرائيل كدولة يهودية خالصة لليهود.. ومن المؤسف انه لا يوجد اي رد فعل جدي من قبل الدول العربية والاسلامية على هذا التوجه الصهيوني الخطير والذي بدأت حكومة الكيان الصهيوني تطبقه على الارض لتفرضه كحقيقة واقعة.. بينما ما يبذل من جهد في اوساط العرب والمسلمين وخاصة من قبل الفلسطينيين انفسهم المعنيين اكثر بهذه القضية كله يصب في محاربة بعضهم بعضاً ويركز فقط على تصفية الحسابات الشخصية فيما بينهم.. وان كان ما يحدث في الساحة الفلسطينية هو جزء من كل لان الوضع على الساحتين العربية والاسلامية والانقسامات التي تشهدها قد سحب نفسه سلباً على الفلسطينيين وليس لهم ذنب في ذلك يتحملونه لان التحريض عليهم يأتي من قبل دول تفرضه عليهم بالقوة وهم لا يستطيعون ان يقولوا لها: لا.. مستغلة حاجتهم لها. ولان عدم تقبل الاستشارة والاستماع الى الرأي الصائب قد اصبح عقدة لدى الزعماء العرب فاوقعهم ذلك في كثير من الاخطاء واضعفهم امام شعوبهم التي هي الاخرى ضعفت بضعفهم يقفز الى الاذهان ما يروى حول ان المستشار المخلص والناصح هو من يستطيع ان يقدم خدمة كبيرة لهذا الحاكم او ذاك ولا يجاريه في رأيه اذا كان غير صائب مجاملة واحتراماً لمكانته.. وهو ما اكد عليه الاستاذ الكبير محمد حسنين هيكل في حديثه الاخير «تجربة حياة» التي بثته قناة الجزيرة الخميس الماضي والذي قال فيه: «ان اكبر خدمة يمكن ان يقدمها المقربون من اي حاكم او زعيم هي ان يقدموا له النصح الصادق ويكونوا صرحاء معه ولا يجاملونه ويسلمون بوجهة نظره سيما اذا كانت غير صائبة» لكن يبدو ان مستشاري الحكام العرب اليوم لا يهمهم الا كيف يتقربون ويمدحون الزعيم.. لان هدفهم هو كيف يستفيدون حتى لو جاءت هذه الاستفادة على حساب مصلحة الاوطان وعلى حساب وقوع الحاكم نفسه في العديد من الاخطاء وتسيء الى سمعته كسياسي. واختم بما قرأته عن احد المستشارين الشجعان.. يروى ان احد الرؤساء الامريكيين السابقين طلب من مستشاره ان يكتب له خطابا بعد ان زوده بعناصره.. وبعد ان فرغ المستشار من كتابة الخطاب سلمه لرئيسه.. وعندما لاحظ المستشار ان الرئيس بدأ يدخل تعديلات على الخطاب سحب المستشار الخطاب من يد الرئيس ومزقه ووضعه في سلة المهملات.. فاستغرب الرئيس هذا التصرف من مستشاره الذي رد عليه قائلاً: «كيف تستشيرني وتطلب ان اكتب لك خطابا ثم تعدل علي.. انا لا اقبل ذلك وطلب منه أن يكتب خطابه بنفسه» فهل يستطيع اي مستشار عربي ان يفعلها؟!