تبدأ اليوم في العاصمة صنعاء أعمال المؤتمر العام الثالث للمغتربين اليمنيين، بمشاركة أكثر من أربعمائة شخصية تمثل مختلف الجاليات اليمنية في أنحاء العالم، وهو حضور غير مسبوق في كل المؤتمرات السابقة. ويكتسب هذا المؤتمر أهميته من كونه يجسد الشراكة الوطنية بين أبناء اليمن في الداخل والخارج وكذا الارتباط المصيري بالوطن ومسيرته الظافرة وتحولاته المتصاعدة التي يقودها باقتدار فخامة الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية على طريق تعزيز النمو المستدام وتحقيق النهوض الشامل، الذي يكفل للإنسان اليمني فرص العيش الكريم وبلوغ تطلعاته في مختلف مناحي الحياة. كما يكتسب هذا المؤتمر الذي سيجمع نخبة متميزة من طيور اليمن المهاجرة سواء في ميادين الاقتصاد والاستثمار أو في الجوانب العلمية من الكفاءات المؤهلة والمدربة، أهمية إضافية حيث وأن مجرد انعقاده في هذه الفترة يأتي رداً عملياً على أولئك المأزومين والقابعين خارج التاريخ من بقايا مخلفات الإمامة والسلاطين وعهود الشمولية، الذين ظنوا أنهم بمؤامراتهم وممارساتهم التخريبية والإرهابية، وتمردهم على الدستور والنظام والقانون سيتمكنون من إيقاف الحياة، عجلة التنمية، وإعادة إنتاج ماضيهم الأسود الذي فرضوا فيه الوصاية على هذا الشعب، ومارسوا بحقه الإذلال والاستعباد والاستبداد، دون أن يدرك هؤلاء البلهاء سواء من العناصر الظلامية والكهنوتية التي أشعلت فتنة التمرد والتخريب في بعض مديريات محافظة صعدة والتي تنتحر على أسوار مدينة السلام، أو تلك العناصر الانفصالية، التي زينت لها أوهامها وفكرها المريض أنها من خلال إحياء النعرات المناطقية والشطرية وأعمال الشغب والتخريب، ستصل إلى غاياتها الدنيئة في إعادة تجزئة الوطن وتمزيقه من جديد، واسترجاع أزمنة القهر والإذلال التي سادت أيام حكمهم وما تخلله من عسف وظلم وتسلط. ولانشك في قدرة الإنسان اليمني البسيط على استظهار الأسباب التي دفعت إلى التحالف المشبوه القائم بين عناصر التمرد والتخريب والإرهاب في محافظة صعدة وبين تلك الشرذمة من العناصر الانفصالية والارتدادية فأي قراءة للاتجاهين لابد وأنها ستخلص إلى مرامي ذلك التحالف والأهداف التي تحركه، والنوايا المبيتة لأطرافه، التي وإن اختلفت مقاصدها وأساليبها وخطابها فإن ما يجمعها هو غاية واحدة هي التآمر على الوطن ومنجزات ثورته ووحدته وتطلعات جماهيره. ولا نبالغ إذا ما قلنا أن كلا الفريقين المأجورين قد أعادا إلى الذاكرة اليمنية أحداثاً ومواقف كادت الأيام أن تمحوها، حيث وأن من يتآمرون على الثورة اليمنية والنظام الجمهوري اليوم هم أنفسهم من تآمروا على هذه الثورة وتكالبوا عليها في أيامها الأولى، وهم أيضاً من حاصروا صنعاء سبعين يوماً من الجهات الأربع. وهاهو نفس المشهد يتكرر في ما تقوم به عناصر التخريب والإجرام الحوثية من اندفاعات انتحارية على أسوار مدينة صعدة التي يتساقطون أمامها كالذباب. فالإماميون الجدد هم نفس الإماميين القدامى، عقلياتهم هي نفس العقليات وفكرهم المنغلق هو نفس الفكر حتى وإن اختلفت الوجوه. ومن يناصبون الوحدة العداء أيضاً من القوى الانفصالية هم أنفسهم من أرادوا وأد هذا المنجز العظيم في صيف عام 1994م وهم أنفسهم من سعوا إلى ضرب ثورة الرابع عشر من اكتوبر وخططوا لإفراغها من مضمونها الوحدوي، وهم من مارسوا السحل والقتل والتصفيات الجسدية بحق العلماء ورموز النضال والاستقلال والتحرر، الذين لم يغيرهم مال ولا جاه وظلوا متمسكين بمبادئهم وتاريخهم النزيه والشريف فمنهم من قضى نحبه دفاعاً عن تلك المبادئ ومنهم من ذاق مرارة السجن والتعذيب والتشريد والملاحقة حتى في أوطان الاغتراب. ورغم كل ذلك فقد أثبت هذا الشعب أنه يستحق اختياراته ما دام في أبنائه الملايين ممن عاهدوا الله على تقديم أرواحهم ودمائهم مهراً لتلك الخيارات. وهاهو هذا الشعب الحر الأبي أمام مشاهد تنطبق عليها مقولة "ما أشبه اليوم بالبارحة" خاصة وهو يجد أن أعداء اليوم يكررون سيناريو أعداء الأمس فعلاً وممارسة. ولعل ما جرى ويجري يجعل هذا الشعب من أقصاه إلى أقصاه اليوم أكثر استعداداً للتضحية في سبيل الحفاظ على ثورته ومضامينها الديمقراطية والتنموية والإنسانية. وبنفس هذه الإرادة فإن المخططات التآمرية التي تحاك ضد الوحدة تجعل هذا الشعب أقوى شكيمة وعزيمة وإصراراً على صيانة وحدته وبذل الغالي والنفيس في الدفاع عن هذا المنجز، الذي خلّص الوطن من كوارث ذلك الماضي التشطيري ونكباته ومآسيه. وإذا كان الآباء قد صنعوا فجر الثورة في واقع صعب ومؤلم ليضعوا اليمن على طريق العزة والكرامة والوحدة، فإن جيل 22 مايو 1990م قادر هو أيضاً على سحق دعاوى الجهالة والكهنوت والارتداد وتلقين أعداء الحق وأعداء الحياة والشعب وأعداء الاستقرار والأمن وأعداء الرخاء والنماء الدروس التي يستحقونها، وإفشال رهاناتهم الخاسرة وأبواقهم التضليلية، وإخماد حرائقهم التي تشعل الفتن والبغضاء والكراهية بين أبناء الوطن الواحد. وليعلم الجمع اليوم في المؤتمر العام الثالث للمغتربين أن النصر آت على النحو الذي نظن، وأن القابعين خارج الزمن سيكونون وقود فتنتهم وإرهابهم وخيانتهم ومؤامراتهم الدنيئة.. وأن جيل 22 مايو هم من سيحمون هذا الوطن من دسائس الحاقدين ومؤامرات المتآمرين وكيد الكائدين ومكر الماكرين، بدمائهم قبل عرقهم وإرادتهم قبل أيديهم. ومن يحمل هذا القلب يستحيل عليه أن يهادن أو يساوم في ثوابته ومبادئه أو يتخلى عن نخوته وغيرته على وطنه وهويته وضميره الحي. ونقول للحمقى: "إن غداً لناظره لقريب".