مَنْ يتابع جيداً ما يجري في العراق هذه الايام من صراع سياسي مغلف بالطابع الطائفي والمذهبي، وكيف قام كل الفرقاء السياسيين بدون استثناء على شخصنة الديمقراطية وعدم الاعتراف حتى اللحظة بنتائج الانتخابات سيترحم على نظام الرئيس صدام حسين مليون مرة رغم ما رافقه من مساوئ وظلم وديكتاتورية، وان كانت لا ترقى الى مستوى المظالم التي يشهدها العراق اليوم على ايدي ابنائه وتحت اشراف القوات الاجنبية المحتلة. ففي عهد النظام السابق الذي تآمرت على اسقاطه الدول الكبرى بموافقة مسبقة من جيران العراق وبعض العراقيين المعارضين لذلك النظام.. كانت على الاقل توجد دولة وتوجد مؤسسات للدولة ويوجد جيش وشرطة استطاعا ان يبسطا الأمن والاستقرار في كل ربوع العراق رغم الحصار الظالم الذي كان مفروضاً عليه.. ولم يكن احداً يسمع في تلك الفترة بما اصبح يعرف اليوم التقسيم المذهبي والطائفي.. لقد كان هناك تعايش بين كل ابناء العراق بمختلف مشاربهم السياسية والمذهبية.. ونتيجة للضعف الذي اصاب العراق جراء الحصار المفروض عليه إلَّا ان دوره في القضايا العربية والدولية كان مشهوداً، وكان يحسب له الف حساب، اما اليوم فقد انتهى دوره وخرج العراق من المعادلة تماماً وهو امر يؤسف له. قبل الانتخابات البرلمانية التي جرت في العراق مؤخراً ومازالت نتائجها معلقة الى اليوم بشرت كل الاحزاب والطوائف بان هذه الانتخابات ستغير الوضع، وتخرج العراق من محنته وانه سيكون النموذج الافضل للحرية والديمقراطية في المنطقة، وكان المتابعون للشأن العراقي يأملون خيراً فذهب المحللون باجتهاداتهم واعتمادهم على ما كان يتحدث به السياسيون العراقيون بان العراق سيولد من جديد، وتنتهي معاناته نهائياً بعد الانتخابات وهو الامر الذي عكس شيئاً من التفاؤل في نفوس كل ابناء الشعوب العربية. ولكن لم تكد تظهر النتائج الاولى للانتخابات حتى تحول ذلك الحلم العربي بتعافي العراق من امراضه المزمنة الى حزن وألم في قلب كل عربي.. بعد ان اتضح ان العراقيين انفسهم لم يصوتوا في الانتخابات للعملية السياسية، وانما صوتوا ضد بعضهم البعض لتزداد نار الفتنة بينهم اشتعالاً.. وما شهدته العاصمة بغداد وبعض المدن الاخرى من تفجيرات ذهب ضحيتها المئات من الابرياء الا دليل على دخول العراق فصل جديد ودامٍ من الصراع المذهبي والطائفي. وكم هو مؤسف ان يذهب زعماء الطوائف والاحزاب السياسية سواءً كانت شيعية او سنية او غيرها الى عدد من دول الجوار يتسولون دعمها من اجل تشكيل حكومة عراقية جديدة على ضوء نتائج الانتخابات الاخيرة التي لم يحصل فيها اي تيار سياسي على اغلبية تؤهله من تشكيل الحكومة.. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ما فائدة هذه الانتخابات سواءً اتفقت التيارات السياسية على نتائجها ام لم تتفق وهي لم تفضِ الى تشكيل حكومة؟ واي سيادة يدعيها العراقيون وهم يجوبون دول جوار العراق ذهاباً واياباً يستنجدونهم التدخل والمساعدة في تشكيل الحكومة.. اي سيادة هذه التي يدعونها؟!. بل لقد وصل الامر ببعضهم المطالبة بتدخل دولي للاشراف على اعادة فرز الاصوات في العاصمة بغداد لانهم لا يثقون ببعضهم ولا بمؤسساتهم وحتى لا يؤثر ذلك على نتائج قائمته.. وجانب آخر يتهم البعض بانه يحضر لانقلاب ضده من خلال صناديق الاقتراع.. اي ان الامور اصبحت تناقش في العراق على اساس شخصي بحت ضاربين بالشعب العراقي وقضاياه عرض الحائط. ولان الخوف مازال قائماً لدى بعض العرب من ان يستعيد العراق دوره المؤثر في العالم العربي وخاصة لدى دول الجوار فان هناك تدخلاً واضحاً في الشؤون العراقية هدفه تحريض كل فئة ضد الاخرى من اجل ان تستمر وتطول المشاكل حتى ينشغل ابناء الشعب العراقي بانفسهم بهدف ثنيهم عن القيام باي دور لخدمة القضايا العربية والدفاع عنها خارج حدودهم.. ونشهد لهؤلاء بانهم نجحوا ولو مؤقتاً في تغذية المشاكل داخل العراق وبث روح الفرقة والبغضاء بين ابنائه.. لكنهم لن يستطيعوا ان يواصلوا هذا التدخل المدمر لشعب باكمله فلابد أن يأتي يوم يفيق فيه العراقيون من غفوتهم، ويعملون على حل مشاكلهم بانفسهم، ومن ثم سيعرفون من هو عدوهم الحقيقي الذي دمر بلدهم وأوصل العراق الى الوضع الذي وصل اليه اليوم فاقداً لسيادته، ولكل قدراته التي اعتاد العرب منه ان تكون في الطليعة خدمة للمصلحة العربية العامة!!.