بوسع أحزاب "اللقاء المشترك" أن تخرج من المأزق الذي أوقعت نفسها فيه باندفاعها إلى التنكر لحق الشعب في إجراء الانتخابات النيابية القادمة في موعدها كاستحقاق دستوري وديمقراطي وسعيها إلى تعطيل هذا الحق إن لم يكن الانقلاب عليه تحت دعاوى ومبررات ما أنزل الله بها من سلطان، وذلك بإسراع هذه الأحزاب إلى تصحيح مواقفها والابتعاد عن الشطط والعناد والمكابرة، وفتح صفحة جديدة مع الشعب عبر الاحتكام لخياراته وإرادته الحرة في صناديق الاقتراع، وتمثل حقيقة الديمقراطية في مسلكياتها وتعاملاتها وتوجهاتها ومواقفها، وتغليب المصلحة الوطنية العليا على ما دونها من المصالح الذاتية والشخصية والحزبية الضيقة، واستيعاب أن الوطن يتسع لجميع أبنائه وأن الديمقراطية والتنافس في ميادينها ليس سوى وسيلة للتباري النزيه والشريف من أجل خدمة هذا الوطن وإعلاء شأنه والنهوض بمكانته في مختلف المجالات، وليست الديمقراطية وجاهةً أو مطية لجني المكاسب والمصالح، بل هي مغرم قبل أن تكون مغنماً. وبصرف النظر عن الفائز والخاسر في الانتخابات النيابية القادمة، فإن مجرد إجرائها في موعدها المحدد هو مكسب للجميع باعتبارنا جميعا يمنيين وأبناء وطن واحد ومن سينتصر في النهاية هو النهج الديمقراطي والإرادة الشعبية التي استطاعت من خلال الديمقراطية أن تحافظ على وحدتها الوطنية، وأن تقطع الطريق على كل القوى التي ظلت تتربص بهذه الوحدة، وأن تنتقل بهذه التجربة نقلات نوعية مهمة من خلال تلك الضمانات والحقوق القانونية والدستورية التي توفرت لها وصارت تشكل المرجعية للعلاقة بين الحاكم والمحكوم والإطار الحامي لنزاهة وشفافية الممارسة الديمقراطية والناظم للتداول السلمي للسلطة. نقول هذا من باب النصيحة والحرص على ألاَّ تغيب أحزاب "اللقاء المشترك" عن المشهد الديمقراطي التاريخي المتمثل في الانتخابات النيابية القادمة، خاصة وأن هذه الأحزاب أو بعضها قد جرب واكتوى بنار الغياب عن بعض الاستحقاقات الديمقراطية وتجرع الانحسار عن المشهد السياسي وانعكاسات ذلك الغياب الاختياري وكيف أنه لم ينتقص من نجاح تلك الاستحقاقات في شيء بقدر ما أضر بمن قاطعوا أو غابوا، الذين وجدوا أنفسهم في عزلة عن الجماهير، فضلاً عن التأثيرات السلبية التي لحقت بأحزابهم ومكانتها في الساحة الوطنية. وسترتكب هذه الأحزاب خطأً جسيماً بحق نفسها وبحق كوادرها وقواعدها إذا ما أصرت هذه المرة على تكرار نفس الأخطاء، بل أنها ستؤكد بمثل هذا الجنوح أنها بالفعل قد أدمنت ارتكاب الأخطاء والسير في الأزقة الملتوية، وأنها قد استمرأت سلك هذه الطريق المعوجة التي تجعل من هذه الأحزاب ظاهرة صوتية ومن بعض قياداتها واجهات لبعض القنوات الفضائية تتاجر بالكلام والتصريحات "العنترية" والشعارات المتشنجة والمواقف الانتهازية التي تنتهي بمجرد إطلاقها في الهواء، سيما وأن أبناء الشعب اليمني صاروا لا يلقون بالاً لمثل تلك الشطحات الكلامية، فما يهمهم ليس الجعجعة والصراخ الإعلامي، وإنما ما تقدمه هذه الأحزاب عملياً من أجلهم ومن أجل وطنهم وتطوره وتقدمه، بل أنهم يرقبون مواقف كل حزب وتعاملاته مع الشأن الديمقراطي والقضايا التي تهم الوطن، ووفقاً لهذا التقييم يأتي قراراهم في تأييد من يرون فيه الصلاح لهم ولوطنهم وأنه جدير بثقتهم ومعبر عن همومهم وتطلعاتهم في الحاضر والمستقبل. وهذا الأمر هو ربما ما أغفلته أحزاب "اللقاء المشترك" التي نبذت نفسها عن الشعب واتجهت إلى مخاصمته وزرع العراقيل والأشواك في طريقه والتماهي مع مَنْ يناصبونه العداء ويتآمرون على وحدته ومنجزاته ومكاسب ثورته ونظامه الجمهوري ويتربصون بأمنه واستقراره ومسيرته الديمقراطية والتنموية. وبإصرار هذه الأحزاب على "التعطيل" والخروج على الشرعية التي ارتضاها الشعب ونقضها للعهود والمواثيق والتفافها على استحقاقاته الديمقراطية والدستورية وجعلها وراء ظهرها، فقد كان من الطبيعي أن ينصرف الشعب عن هذه الأحزاب ويدير لها ظهره، ويبتعد عنها كلياً. وفي ذلك تأكيد واضح على أن مشكلة هذه الأحزاب هي في الأساس مع الشعب وليست مع الحزب الحاكم أو غيره، وإذا ما أرادت هذه الأحزاب التصالح مع الشعب فعليها أولاً أن تعود إلى صفه وتلتزم بثوابته وتضع مصالحه فوق كل اعتبار.