سادساً: ما شاهدناه في المسيرات المنظمة والمخططة والمحروسة بشكل جيد، هو عفوية الجماهير وغضبها، واندفاعها وحماستها، ونزعتها الفوضوية، وهذه المظاهر وإن كانت تعبر عن مخاطر التعبئة السياسية الخاطئة، فإنها تمثل في الوقت ذاته مؤشرات واقعية لما يمكن له أن يحدث، إذا نجحت محاولات البعض في تحريض الجماهير وخصوصاً الشباب على الخروج إلى الشارع على غرار ما يجري في تونس ومصر، أو الدفع بالمسيرات المرخص لها في اتجاهات غير مرغوبة ومنزلقات فوضوية خطيرة قد تُخرج الشارع السياسي الجماهيري عن حالة الاتزان وإطلاق طاقاته وقواه التدميرية الهائلة من عقالها لتتصادم مع بعضها وتدمر ذاتها ووطنها ومستقبلها، هذه المظاهر الحضارية الديمقراطية كما يصفها أو يتصورها البعض وما تخللها من حالات استثنائية قليلة من المشاجرات والمشادات بين الشباب، ألقت بظلالها القاتمة على المشهد السياسي الوطني، ومثلت كوابيس مخيفة، في نفوس كل الوطنيين اليمنيين ممن يقرأون ويستوعبون الواقع بشكل صحيح، ولا غرابة في أن يضعوا أيديهم على قلوبهم خوفاً من المصير المجهول الذي ينتظر وطنهم جرّاء المغامرات السياسية لبعض النخب الساعية اختزال الوطن وتقزيمه لتضعه في كفة ومصالحها ومشاريعها في الكفة الأخرى، مستخدمين عباءة الديمقراطية ومؤسساتها وتشريعاتها، وحقوق الإنسان والآلية الإعلامية الخارجية وخطابها التحريضي أدوات للدفع بالبلد نحو منزلقات العنف والفوضى المدمرة. سابعاً: في البرنامج الانتخابي لفخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح للأعوام (2006م- 2013م) جاء التأكيد على رفضه المطلق للتمديد ومختلف أشكال التوريث وإعادته التأكيد على هذه الحقيقة السياسية في مثل هذه الظروف والتطورات الوطنية والعربية، وهو ما فتح شهية بعض القوى التقليدية القديمة والمتخلفة على السلطة وإعادة الحياة إلى مشاريعها السياسية السلطوية الميتة، وما برحت تعد العدة لمحاولة الانقضاض على النظام الجمهوري، وإعادة سيطرتها على السلطة في لحظة غفلة أو انشغال أو ضعف أو تمزق قوى الثورة والمجتمع الديمقراطي الحديثة وفتح الباب لاحتمالات العودة بعجلة التاريخ والتطور عقوداً إلى الوراء. ومما لا شك فيه أن الاستمرار في الدفع بالأوضاع نحو المزيد من إحكام الانسداد السياسي المفضي بالوطن إما إلى الاختناق الاجتماعي والموت السياسي، وإما إلى الفوضى والانفجار المدمر يمثل أحد أهم الخيارات العملية التي ستمكن هذه القوى المأزومة من استعادة سيطرتها على السلطة، باعتبارها القوى المؤهلة والمستعدة كامل الاستعداد لجني ثمار الفوضى المدمرة التي ينادي بها البعض لاسيما إذا استشعرت أي ضعف أو خلل أو تراجع في وظائف ودور وقوة ووحدة مؤسسات الوطن الدفاعية والأمنية. ثامناً : إن أبسط غلطة حتى وإن كانت غير مقصودة في الحسابات السياسية للأحزاب والنخب السياسية الوطنية في السلطة أو المعارضة في مثل هذه الظروف من شأنها أن تفتح نافذة صغيرة لأعمال الفوضى والشغب والعبثية والغوغائية، وبمقدور هذه القوى النفوذ من خلالها للانقضاض على النظام الوطني الديمقراطي وتدمير كل ما تم تشييده من صروح وانجازات وطنية خلال العقود المنصرمة من عمر الثورة في أيام معدودة.. وهذه القوى المأزومة المكبل فعلها وجرائمها وخططها ومشاريعها بجبروت واقتدار ويقظة مؤسسة الدفاع والأمن الضامن الوحيد والأكيد لعبور الوطن بأمان نحو المستقبل المنشود.. هذه القوى مع الأسف لا زالت تستمد قوتها وقدرتها التدميرية من طبيعة المجتمع الذي تعمل فيه ومن خلاله، حيث لا زالت ثقافته وأعرافه وعلاقاته وولاءاته محكومة إلى حد بعيد بالتركيبة القبلية المتناحرة المدججة بالأسلحة، ونزعتها الغريزية الحربية وثقافة الفيد المترسبة في وعيها وقناعاتها وسلوكها وردود فعلها المحكومة بأولويات مصالحها وولائها المطلق لذاتها وكيانها العصبوي الضيق ورموزها القيادية التقليدية بكل ما تمثله من خيارات ومشاريع سياسية، هذه الحقائق البدهية يمكن قراءتها على أرض الواقع وأحداثه وإشكالاته، وفي الخارطة السياسية الوطنية التي أفرزتها التجارب والتراكمات الثقافية والسياسية والعملية الديمقراطية حتى الآن حيث الحضور القوي والفاعل لرموز هذه التركيبة السكانية القبلية وهيمنتها على المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي على حساب غيرها من القوى المدنية المعاصرة. تاسعاً: ولضمان الحفاظ على كل ما صنعته نضالات اليمنيين وكدحهم السلمي وتضحياتهم الجسيمة عبر عقود طويلة، وفي الوقت ذاته الاستمرار في عملية الإصلاحات وتغيير وتطوير السياسات التي تخدم مصالح الوطن وتعظم مكاسبه ومنجزاته بأقل قدر من التكاليف والخسائر والهزات الاجتماعية السياسية مع قدر أوفر من شروط وعوامل النجاح وضمانات عدم الارتداد، جاءت مبادرة فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح التي أعلنها في 2 فبراير الجاري التي دعا فيها القوى الوطنية الحديثة إلى الحوار والوفاق السياسي وصياغة رؤية وطنية مجمع عليها بالإصلاحات والتطويرات والتغييرات المطلوبة في الآليات والسياسات التي يحتاجها الوطن والعمل المشترك على تنفيذها والحيلولة دون وصول البلد إلى حالة الانسداد السياسي المقلق وقطع الطريق أمام كل القوى المتربصة ومنعها من تحقيق أهدافها.