الموقف الملتبس، والغامض، وغير الإيجابي الذي قابلت به أحزاب اللقاء المشترك المبادرة التاريخية والشجاعة التي أطلقها فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح، رئيس الجمهورية، لتطوير النظام السياسي يوم الخميس الماضي كشف تماما أن هذه الأحزاب غير جاهزة للقبول بإصلاحات شاملة كما جاء في تلك المبادرة الرئاسية التي استوعبت إصلاحات جذرية على النطاقين الديمقراطي والسياسي وأن ما كانت تزايد به هذه الأحزاب من مطالب حول الانتقال إلى النظام البرلماني والقائمة النسبية والحكم المحلي واسع الصلاحيات ليس أكثر من ذر للرماد على العيون ومحاولة اختبار لقدرة الطرف الآخر على التعاطي مع تلك المطالب التعجيزية التي لم تكن تتصور أبدا أن القيادة السياسية ستتعاطى معها بتلك الروح الوطنية التي برزت في تلك المبادرة التي وصفها البعض بأنها قد تضمنت منطلقات ثورة ثالثة في اليمن. ويتضح من كل هذا أن أحزاب اللقاء المشترك لا تراهن على أية إصلاحات وإنما على تداعيات معينة ومن ذلك ورقة تأجيج الشارع وتثويره خاصة بعد أن بدت مؤشرات الأحداث في تونس وبعدها مصر تظهر في سماء المنطقة مما شجعها على ركوب موجة هذه الأحداث لتغلق من لحظتها أبواب الحوار والتفاهم دون ادراك منها أن رهانها على نشر الفوضى وأعمال التخريب وإذكاء الفتن رهان خاسر لأن الشعب اليمني لن يقبل بأي شكل من الأشكال بالعبث بأمنه واستقراره ووحدته ومكاسبه الوطنية وذلك ما كان، فقد خرج ابناء الشعب في مسيرات مليونية إلى الشوارع في عموم محافظات الوطن رافضين لكل المشاريع الصغيرة والأجندات الخاصة ومتصدين لدعوات الفوضى والفتنة. وبدلا من أن تسارع هذه الأحزاب إلى مراجعة سياساتها وتوجهاتها والأهداف التي بنت عليها استراتيجياتها عادت إلى تكرار نفس الخطأ وذلك عبر استغلالها لمعاناة بعض الشباب اليمني العاطل عن العمل للسيطرة على اعتصاماتهم وسرقة آمال وتطلعات هؤلاء الشباب الذين خرجوا للتعبير عن همومهم وطرحها أمام الحكومة لقناعة هؤلاء الشباب الأنقياء بأن الحكومة لن تترد في الإصغاء لهم باعتبار أن تلك الهموم ترتبط بجذور اجتماعية ولا علاقة لها بأية مطالب سياسية أو حزبية. غير أن تلك الأحزاب وعلى قاعدتها الانتهازية المعروفة لم تتورع عن تجنيد بعض عناصرها المتطرفة لإفراغ تلك الاعتصامات من مضمونها الحقيقي الأمر الذي دفع بالكثير من هؤلاء الشباب إلى مغادرة ساحات الاعتصامات والعودة إلى منازلهم خاصة بعد أن شعروا بأن الرسالة التي أرادوا إيصالها للحكومة قد وصلت ووجدت صداها لدى القيادة السياسية بزعامة فخامة الرئيس علي عبدالله صالح، رئيس الجمهورية، الذي وجه الحكومة بسرعة الوقوف على المطالب المشروعة للشباب والتجاوب معها بكل مسؤولية وصدق. وما لا يبدو في محله هو اصرار هذه الأحزاب على سياسة الشد والجذب المغلفة بالنزعة الشمولية وثقافة الالغاء والإقصاء دون وعي بأن هذه السياسة لن تجني من ورائها سوى السقوط المخزي لأنها ثقافة تجاوزها شعبنا بنهجه الديمقراطي التعددي وحرية الرأي والتعبير والتداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع، لتؤكد قيادات هذه الأحزاب التي تعاني من عدم وضوح الرؤية أنها بالفعل أصبحت أداة من أدوات التعطيل لمسارات الديمقراطية ووسيلة للإضرار بالوطن ومصالحه العليا مما يجعلها لا تملك الحد الأدنى من الوعي السياسي الذي يؤهلها لقيادة أحزاب تتطلع للحكم والوصول إلى السلطة. ويكفي أنها لا تدري ولا تعلم ماذا تريد ليصدق عليها القول: «جهلت ولم تدر بأنك جاهل فمن لي بأن تدري بأنك لا تدري!».