عاش الوطن اليمني أمس الأحد يوم حداد على ضحايا الأحداث الدامية والمؤسفة التي شهدها حي الجامعة يوم الجمعة الماضي. وقد تجلت في هذا اليوم، ليس فقط تعبيرات الحزن على أولئك الشهداء الذين وصفهم فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية بشهداء الديمقراطية وإنما أيضاً وحدة مشاعر كل اليمنيين ورفضهم للغة العنف وتجييش اليمنيين على بعضهم البعض، وإذكاء الفتن والأحقاد والضغائن في ما بينهم. وحرصاً على وحدة وسلامة الوطن وأمنه واستقراره لم تتوقف جهود القيادة السياسية بهدف رأب الصدع بين أطراف المنظومة الحزبية على الساحة الوطنية، وإعادة هذه الأطراف إلى طاولة الحوار، باعتبار أن الحوار هو الوسيلة الحضارية المثلى لحلحلة تعقيدات الأزمة الراهنة، التي أجمعت على خطورتها كل فعاليات المجتمع اليمني بمختلف توجهاتها السياسية والحزبية والثقافية والاجتماعية. وربما لهذا السبب جاء قرار رئيس الجمهورية بإقالة الحكومة الحالية وتكليفها بالاستمرار في تصريف الشؤون العامة العادية حتى تشكيل حكومة جديدة، يتمنى الجميع أن تكون حكومة الوفاق الوطني، التي سبق وأن دعا إليها فخامة الأخ الرئيس بغية الإشراف على تنفيذ الإصلاحات المرتبطة بتطوير النظام السياسي والانتخابي والمشاركة الشعبية في صنع القرار عن طريق الانتقال إلى الحكم المحلي واسع الصلاحيات. ولسنا بحاجة إلى القول بأن الظروف والتحديات التي تحيط بالوطن في هذه المرحلة، وتكاد تعصف بكل مقوماته وتدفع به في مهاوي الضياع والانهيار، تستدعي من جميع اليمنيين، وفي الصدارة منهم أطراف المنظومة السياسية والحزبية، الإسراع في تحكيم العقل وتغليب مصلحة الوطن العليا على ما دونها من المصالح الحزبية والذاتية الضيقة، مدركين لحقيقة أن هذا الوطن أمانة في أعناقنا جميعاً، وأن تطوره ورخاءه ونماءه مرهون باستتباب الأمن والاستقرار الذي يوفر الغطاء الشامل للتنمية بفروعها المختلفة، وأن الاستمرار في التخندق في الاعتصامات والتظاهرات لا يمكن أن يفضي إلى إيجاد الحلول والمعالجات لأية مشكلات أو قضايا. وقد دلت الأحداث التي عاشها الوطن خلال الشهرين الماضيين أن تجييش الشارع عبر التعبئة الخاطئة لم نجن من ورائه سوى المآسي والآلام وسقوط الضحايا الأبرياء، كما برهنت بعض هذه الأحداث على أن الفتن لا يمكن أن ينجم عنها سوى الكوارث والويلات، وأنها إذا ما استفحلت في أي مجتمع كان، فإنها كفيلة بتدميره وتدمير كل من فيه. وإذا ما ذهبنا إلى محيطنا العربي ووقفنا على مجريات الأوضاع في بعض أقطاره التي افتقدت لحياة الاستقرار، سنجد أن الفوضى قد قضت على كل إمكانياتها المادية والبشرية وقضت على كل وسائل النهوض القابلة للاستثمار، وقادت أبناءها إلى حروب مهلكة، ذهبت ضحيتها عشرات الآلاف في معارك عبثية مفتوحة على كل الأزمنة عبر الثأرات التي لا تنتهي. وعليه فإذا كانت وحدة المشاعر الحزينة قد بدت على وجوه كل اليمنيين إزاء من سقطوا كشهداء للديمقراطية، فإنه حري بنا أن نجعل من هذه المشاعر الجمعية باعثاً وحافزاً على إنهاء الظروف التي أفضت إلى هذا الحزن والانتقال إلى يوم جديد نلتقي فيه على كلمة سواء ألاّ نعبد إلاّ الله ولا ننتصر إلاّ للوطن وأمنه واستقراره. حيث وأن ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا، ويكفي أن يكون الوطن هو قاسمنا المشترك الذي ينبغي أن نتنازل من أجله، باعتبار أن الوطن أكبر وأعظم منا جميعاً، ولا ينبغي أن تنازعه الأهواء الحزبية والمطامع الذاتية، ففي علو الوطن ورفعته علو لنا جميعاً مهما تغيرت مواقعنا وتعددت غاياتنا، وتنوعت طروحاتنا واختلفت أهدافنا، إذ لا غاية ولا هدف يمكن تحقيقه بعيداً عن الغايات والأهداف الكبرى لهذا الوطن، الذي يتعين أن نضعه في حدقات عيوننا، ليس من خلال الشعارات الزائفة أو التنظيرات الكاذبة أو التصريحات المخادعة، بل من خلال الإخلاص والإيثار، والنأي به عن الصراعات الحزبية والأجندات الخاصة والمشاريع الصغيرة، وجعله أكبر من كل الخلافات والتباينات والاندفاعات المتهورة والمقامرة، التي يتحول فيها هذا الوطن لدى البعض إلى مجرد سلعة قابلة للمتاجرة أو المزايدة، أو مسرح للمساومة والابتزاز والانتهازية والنفعية. لقد حصحص الحق وحان الوقت الذي نتبارى فيه من أجل الوطن، ونثبت فيه أننا أهل لتلك الصفات التي وصفنا بها سيد البشرية محمد بن عبدالله عليه افضل الصلاة والتسليم بقوله: "أتاكم أهل اليمن هم أرق قلوباً وألين أفئدة، الإيمان يمان والحكمة يمانية"، وأننا ما نزال على العهد ملتزمون بتعاليم ديننا وشرعنا وعقيدتنا، وهدي قرآننا الكريم الذي يحثنا على التوحد والتلاحم ورص الصفوف لقوله سبحانه وتعالى "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم" صدق الله العظيم