كشفت أحداث الأزمة الراهنة التي يمر بها الوطن اليمني منذ عدة أشهر أن من افتعلوا هذه الأزمة وتسببوا في إشعالها وتمددها وإذكاء نيرانها لا يحملون مشروعاً وطنياً وليست لهم أهداف محددة باستثناء هدف واحد هو إسقاط النظام بعد أن عشعشت في عقول هؤلاء الأوهام بأنهم سيكونون البديل عن هذا النظام، واتساقاً مع هذا الوهم بنت هذه القوى أحلامها وأجمعت على السير في هذا الطريق المتعرج على الرغم من كل التقاطعات والاختلافات الأيديولوجية والفكرية في ما بينها والتعارض والتصادم القائم بين مرشديها ومنظريها ومفكريها. وتحت حمى اللهث وراء السلطة غاب عن أحزاب اللقاء المشترك والمليشيات التابعة لها والمتحالفين معها من القوى القبلية والمتمردين من المؤسسة العسكرية أنه لا يمكن بأية حال من الأحوال رهن الوطن والشعب اليمني البالغ تعداده 25 مليون مواطن لمجموعة سياسية وحزبية وقبلية ورغباتها وحدود تفكيرها، لأن الوطن أكبر من أن يختزل في أطماع بعض بنيه الطامحين والطامعين والمقامرين والمغامرين الذين لا يرون أبعد من أنوفهم فما يهمهم فقط هو: كيف يصلون إلى السلطة ويتربعون على كراسيها ويفرضون هيمنتهم على الناس ويضخمون أرصدتهم البنكية ويتوسعون في إقامة الشركات الخاصة بهم ونهب مقدرات البلاد والعباد، أما غير ذلك فلا يهمهم أمر الاقتصاد ولا التنمية ولا استتباب الأمن والاستقرار ولا حصول المواطنين على فرص التعليم والتطبيب والخدمات الأخرى، بدليل أنهم اليوم يصرون على تعطيل التعليم وإغلاق المدارس والجامعات وضرب خطوط الكهرباء وأنابيب النفط وإقلاق السكينة العامة وقطع الطرق وإلحاق الضرر البالغ بمقومات الاقتصاد الوطني وزيادة أعداد البطالة. ومع أن الوصول الى السلطة أمر مكفول لكل مواطن فإن هذا الحق قد نظمه الدستور وجعل بلوغ هذا الهدف مرهونا باحترام إرادة الشعب في صناديق الاقتراع، أما غير هذه الوسيلة فلا يعدو كونه مغامرة غير مأمونة، وقد جربنا في المراحل الماضية أن الوسائل غير الديمقراطية للوصول الى السلطة لم ينتج عنها سوى الويلات والصراعات والاحتقانات الدامية التي عادة ما كانت تنتهي بدورات عنف كارثية يذهب ضحيتها الآلاف من أبناء الشعب اليمني. وأمام كل ذلك فإن من الحكمة أن يستفيد أولئك الذين ركبوا رؤوسهم ويسعون لتفجير الأوضاع والزج باليمن في حرب أهلية من كل التجارب الماضية مدركين أن انسداد الأفق السياسي ستكون عواقبه وخيمة على الجميع وسيكونون هم أول من يدفع ثمن الإصرار على تصعيد الأزمة وإخراجها عن نطاق السيطرة، وأن من الأفيد لهم ولوطنهم الجنوح للسلام والحوار والتوافق على الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية، وبما يفضي الى الحلول والمعالجات السليمة للأزمة الراهنة، وتحقيق الانتقال الدستوري والديمقراطي للسلطة، باعتبار أن ذلك هو الخيار الأمثل الذي يصون اليمن وأمنه واستقراره ووحدته وسلمه الاجتماعي. وما دون ذلك فهو الانتحار بعينه.