غالبا ما يستخدم العرب نعت "النازية" في معرض هجومهم على الصهيونية وعلى الجيش الإسرائيلي ما يعني أن صفة الصهيونية لا تكفي لإدانة إسرائيل وبالتالي لا بد من تجاوزها وإلحاق أذى أكبر بها عبر وصفها بالنازية وأحيانا كثيرة يستخدم الوصف على سبيل التماثل فيقال صهيوني ونازي "حال واحد" فهل تتماثل الظاهرتان كما يرى بعض العرب؟ أم تتناقض إلى حد نفي كل منهما للأخرى بحسب التعريف اليهودي؟ تبين عناصر المقارنة بين الظاهرتين في أول وجوهها أن قاعدة النازية عرقية محضة وتنهض على هرمية حضارية وتراتبية في عنصريتها فيما قاعدة الصهيونية دينية اجتماعية إيديولوجية وتنطوي على تعدد عرقي وتتكثف عنصريتها ضد الفلسطينيين بخاصة والعرب عموما . ويظهر الوجه الثاني في المقارنة أن الصهيونية حركة استيطانية خارجية فيما النازية حركة إيديولوجية كانت مستقرة في بلد يتمتع بحضارة ألفية وكان ومازال لاعبا اقتصاديا أوروبيا ودوليا مرموقا ويوضح الوجه الثالث في المقارنة أن النازية تيار كان ينزع نحو السيطرة على العالم من خلال مفاهيم وايديولوجية مسلحة ماديا ومعنويا ويستند إلى فرص توسع وهيمنة كانت متوفرة بشكل جدي عشية الحرب العالمية الثانية. لقد دعا النازيون لبناء جماعة قومية أوروبية وكانت لديهم حركات مؤيدة في العديد من دول أوروبا الغربية فيما لا تتجاوز الصهيونية في دعوتها ال15 مليون يهودي المنتشرين في بقاع الأرض والموزعين على أعراقها وهم يمثلون 5 بالمئة من مجموع الشعب الجرماني الذي ادعت النازية تمثيله وبالتالي لا يمكن للصهيونية أن تسيطر على العالم خصوصا أنها في الأصل حركة لجؤ وفاقدة للوطن وللوطنية. وإذ يؤكد بعضنا أن الصهاينة واليهود عموما يسيطرون على العالم بأسره عبر المصارف والإعلام والنفوذ الثقافي فان لهذه السيطرة أسباب متصلة بالخبرة التي اكتسبها اليهود عبر التاريخ حيث كانوا على الدوام شعبا نخبويا لكنهم رغم ذلك لا يتمتعون بنفوذ إلا في البلدان التي يجتمعون وإياها على أهداف ومصالح موحدة ويهبط تأثيرهم إلى الحضيض في البلدان التي تتناقض مصالحها مع مصالحهم. بكلام آخر هم لا يرغمون الدول على تأييدهم خلاقا لمصالحها وإنما يندمجون مع الدول المعنية في فضاء واحد يضم مصالح مشتركة. وفي الوجه الرابع للمقارنة بين الظاهرتين نلاحظ أن النازية حركة هجومية فيما الصهيونية حركة انطوائية. الأولى اعتبرت أن مصيرها يتحدد عبر السيطرة على أوروبا ومن خلالها على العالم والثانية اعتمدت مرجعية تاريخية للدولة اليهودية بين الفرات والنيل وقالت أن إسرائيل الكبرى هي غاية الصهيونية الكبرى والوحيدة ولم تزعم بعدا عالميا للدولة اليهودية وإذ أخفقت في تأسيس إسرائيل الكبرى ها هي تتعثر في تثبيت شرعية إسرائيل الحالية أي الصغرى. وفي الوجه الخامس للمقارنة نلاحظ أن المنظومة الأخلاقية النازية مستمدة من التفوق العرقي والنزعة الحضارية العرقية فيما المنظومة الأخلاقية الصهيونية مستمدة من الادعاء بالظلم التاريخي واللاسامية التي انتشرت في أوروبا خلال قرون وهذه المنظومة تستدرج تعاطف الغرب عموما وتسعى للحصول على تغطية اخلاقية خارجية فيما النازية كانت تسعى لفرض نموذجها الاخلاقي على العالم بأسره. ويمكن لهذه المقارنة أن تتسع اكثر فاكثر لتبيان عناصر الاختلاف بين التيارين لكن المقارنة نفسها لا تخلو من عناصر توافق وتماثل بين الظاهرتين شان أساليب الدعاية والتحكم بوعي الرأي العام واعتماد منهج عنصري ملثم بثوب حقوقي وحضاري ناهيك عن استعرض فزاعة الزوال وادعاء الخوف على وجود الدولة والتنكيل بالفلسطينيين والعرب وارتكاب الجرائم بحقهم وحماية هذا النفاق بواسطة القوانين الدولية. ولعل الاتفاق الحاسم بين التيارين يكمن في انهما يحملان بذور فنائهما في باطنهما فكما ان النازية انهارت لانها تيار مناهض للشعوب والعدالة فان الصهيونية ايلة هي الاخرى للانهيار لانها تيار معاد للمحيط الذي تعمل في اطاره ولا تملك اجوبة اندماجية فيه وتنزع الى الانطواء والانعزال الديني في وسطه بل يمكن القول ان موقع الصهيونية في الكيان الاسرائيلي آخذ في الانحسار والتراجع لصالح التيارات الدينية المتشددة التي تناضل من اجل الا يكون عرب البتة بين الفرا ت والنيل. في المحصلة العامة يبدو لي أن الصهيونية اخطر من النازية لأنها نجحت في الحصول على تغطية أخلاقية مغرية لجرائمها ضد الإنسانية في فلسطين والعالم العربي ولا سيما لبنان والثابت ان الحماية الغربية لهذه الجرائم في المحافل الدولية وتجنيبها الادانة ينطلق من الزعم الرائج بأن الكيان الصهيوني هو الديمقراطية الوحيدة في المنطقة وأنها مجبرة "للدفاع عن نفسها" بمختلف الوسائل بما فيها الجرائم ضد الإنسانية كما هي الحال في صبرا وشاتيلا وجنين وغيرها. بالمقابل كانت النازية مكشوفة أخلاقيا ولا تتمتع بجاذبية "الضحية" التي ميزت ومازالت تميز الحركة الصهيونية في الفضاء الغربي. كائنا ما كانت حصيلة المقارنة بين النازية والصهيونية فان الظاهرتين لا تنتميان إلى فضائنا الثقافي والتاريخي والحضاري وبالتالي لا ادري لماذا علينا أن نرث مقارنة ونزاعا بينهما لا ناقة لنا به ولا جمل ... هكذا نحن لا عزاء لنا إذ نستخف بأنفسنا.