لم تستأثر سياسة فرنسا الخارجية باهتمام كبير في المناظرات الرئاسية في فرنسا ما خلا الجانب الاوروبي الذي صار بحسب المقاييس الجديدة جزءا لا يتجزأ من التفاصيل الفرنسية نفسها . وغاب احد اهم المواضيع المثيرة للجدل واعني به سياسة فرنسا العربية ازاء عرب الهجرة الى هذا البلد من جهة والعالم العربي من جهة اخرى. فهل يتعلق الامر بسلم الاولويات في الحملة الانتخابية ام ان موضوع علاقات فرنسا العربية ما عاد يحتل الاهمية نفسها و بالتالي هل يمكن القول ان الرئيس المنتخب فرانسوا هولاند سيعتمد سياسة عربية مختلفة عن سلفه؟ هذا السؤال يستحق البحث والتحليل لأنه يتعلق ببلد عضو في مجلس الامن وبمنطقتنا الاستراتيجية بامتياز. معروف ان الهجرة العربية كانت بمثابة كبش محرقة في عهد الرئيس ساركوزي وموضوعا لخطب تحريضية تمتد احيانا الى الفرنسيين من اصل عربي وكان الرئيس السابق يستعين احيانا بالازهر المصري لتغطية تلك السياسة التي تميزت بطابع عدائي ظاهر ومتعمد لارضاء اليمين المتطرف الذي يضمر كرها للعرب بخاصة والاجانب عموما. والواضح ان الرئيس الجديد لا يريد مواصلة هذه السياسة بل يذهب الى ابعد من ذلك اذ يعتزم التقدم بمشروع قانون يتيح اقتراع الاجانب في الانتخابات البلدية وتسوية اوضاع المهاجرين الذين مضت سنوات على وجودهم في فرنسا دون ان تعمد السلطات الى منحهم بطاقة الاقامة الرسمية ويوضح هولاند انه سيمنح الاقامة تلقائيا للمقيمين الذين انجبوا في فرنسا وينتظم ابناؤهم في المدارس الفرنسية و ينطوي برنامجه على اجراءات خاصة بضواحي المدن ومساعدة اهلها على الاندماج في المجتمع والراجح ان يكون هولاند قد حصل على نسبة عالية من الاصوات العائدة للفرنسيين من اصول عربية خصوصا بعد ان تميزت خطب منافسه بالهجوم المتعمد على اللحم الحلال والمسابح الخاصة بالنساء المسلمات الامر الذي اثار حفيظة الجاليات الاسلامية ودفعها بقوة للاقتراع الى جانب خصمه. واذا كانت السياسة الاشتراكية تجاه العرب في فرنسا بعيدة تماما عن التزمت والتحريض الساركوزي فان العلاقات الفرنسية مع الدول العربية لن تكون جامعة وانما متصلة بكل دولة على حدا ففي المغرب الاقصى من المتوقع ان ينظر الاشتراكيون بعين ايجابية الى تجربة التناوب الحكومي والاصلاحات التي تمت بضغط من الربيع العربي ومن الطبيعي الا يتاثر الرئيس الجديد بالعلاقات الممتازة التي كانت ومازالت قائمة بين جاك شيراك والعاهل المغربي والتي استمرت في عهد الحكومة اليمينية السابقة والراجح ان يعمل السيد اندريه ازولاي مستشار الملك محمد السادس اليهودي الاصل والذي يتمتع بعلاقات وثيقة مع المحيطين بفرانسوا هولاند على تكييف العلاقات بين الطرفين مع ظروف المغرب وفرنسا في الان معا. اما في الجزائر فمن المنتظر ان يطرأ تغيير ايجابي على علاقات البلدين لاسيما وان الحزب الاشتراكي الفرنسي لم يرحب بمشروع ساركوزي لتمجيد الاستعمار الذي اثار زوبعة في علاقاتهما ازداد حجمها مع التدخل الفرنسي في ليبيا واعتراض الجزائر بقوة على هذا التدخل نظرا لحساسيتها الموروثة من عهد الاستعمار اضف الى ذلك ان الاشتراكيين في فرنسا كانوا اقرب الى جبهة البوليساريو التي ترعاها السلطات الجزائرية والتي كانت تنظر بعين الرضى لزيارات دانييل ميتران زوجة الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران الى معسكرات تندوف تعاطفا مع الصحراويين. وفي تونس من المتوقع ان تشهد العلاقات انطلاقة جديدة مع الفريق الاشتراكي الذي لم يدعم الطاغية بن علي والذي لا تربطه علاقات صداقة مع اسرته كما كانت حال الفريق السابق الذي راهن على الجنرال المخلوع حتى اللحظة الاخيرة. اما في ليبيا فمن غير المستبعد ان تتواصل العلاقات بين الطرفين انطلاقا من النقطة التي وصلت اليها في عهد الرئيس السابق نيكولا ساركوزي وهنا ايضا يمكن للسيد برنار هنري ليفي الذي يحتفظ بعلاقات وثيقة مع الفريق الاشتراكي الجديد ان يلعب دورا اكبر في تنمية العلاقات بين الطرفين وهو الذي ينسب لنفسه اشعال الثورة الليبية . اما في المشرق العربي فمن المنتظر ان يتعاطف الفريق الجديد مع الفلسطينيين وان يدعم مشروع اعلان الدولة الفلسطينية في الاممالمتحدة اذا ما اخلص لوعوده الانتخابية الامر الذي حمل الاسرائيليين من اصل فرنسي على الاقتراع بنسبة كبيرة لنيقولا ساركوزي تجاوزت ال90 بالمئة ومن غير المستبعد ان يتدخل اصدقاء اسرائيل الكثر في فريق هولاند وعلى راسهم مدير حملته بيار موسكوفيتسي لتقريب المسافات ان بعدت ولعدم احراج تل ابيب على الصعيد الدولي وان كان هولاند سيدعم مشروع الدولة الفلسطينية معنويا على الاقل. يبقى الملف السوري وهنا لم يترك هولاند مجالا للمواربة عندما اعتبر ان على المجتمع الدولي ان يشن هجوما عسكريا على سوريا دون الحصول على الشرعية من مجلس الامن الدولي ودون انتظار موافقة روسيا والصين ولعل هولاند في هذا الصدد يتجاوز التشدد الذي تميزت به مواقف نيقولا ساركوزي. اما في العلاقات الفرنسية الخليجية فمن الصعب ان يتجاوز الطرفان منطق المصالح المتبادلة الذي حكم كافة العهود اليمينية واليسارية على حد سواء لكن بعض الملفات قد تسبب حرجا كبيرا للادارة الاشتراكية كالملف البحريني خصوصا عندما يؤكد الفريق الجديد الشاب على اصراره على احترام حقوق الانسان وحرية التعبيركشرط في علاقات فرنسا الخارجية واذا ما التزم هذا الفريق باقواله فسيكون من الصعب على هولاند ان يؤيد حملة عسكرية على سوريا من خارج مجلس الامن وان يلتزم الصمت على ما يدور في البحرين. وحول لبنان فمن غير المتوقع ان يكون لفريق 14 اذار اللبناني تلك الحظوة التي تمتع بها في عهدي شيراك وساركوزي والناجمة بجزء منها عن العلاقات الشخصية بين الراحل رفيق الحريري والرئيس جاك شيراك الا ان الحياد الفرنسي في العلاقات مع الطوائف اللبنانية سيفرض نفسه لا سيما وان امن القوات الفرنسية في جنوب لبنان سيحظى بالعناية القصوى . قصارى القول ان الرئاسة الفرنسية الجديدة لن تنعطف بسياسة فرنسا الخارجية يسارا إلا في ما يتعلق بالاتحاد الاوروبي والدليل ان هذا الجانب هو الذي طغى منفردا على مناظرات المتنافسين طيلة الشهور الماضية الى حد ان احدا لم يتذكر ان نيقولا ساركوزي شن حملة عسكرية على ليبيا وساهم في قتل القذافي والمثير لحيرة المراقبين الخارجيين ان الموضوع الليبي حضر في الحملة الفرنسية الانتخابية من زاوية الرشوة وليس التخلص من نظام ديكتاتوري كما يردد بفخر ما بعده فخر اصدقاء الرئيس الفاشل في العودة ثانية الى «الاليزيه».