بمناسبة ذكرى إقامتها ال65، نشرت إسرائيل موجزاً يلخّص أحوالها وإنجازاتها (كما في كل عام)، يتضمّن خسائرها البشرية، وعدد سكانها، ومستوى دخلهم، والمعايير التي تبيّن نوعية الحياة المتميّزة لهم. وبحسب معطيات صحيفة «معاريف» (15/ 3/ 2013) فإن عدد القتلى من الإسرائيليين في الحروب والعمليات «التخريبية» (المقاومة)، منذ قيام إسرائيل (1948)، بلغ حوالي 25.578 شخصاً، منهم 23.085 من العسكريين والأجهزة الأمنية، و2493 من المدنيين. وقد بلغ عدد اليهود من مواطني إسرائيل ﺳﺘﺔ ﻣﻼيين، و(42) أﻟف ﻧﺴﻤﺔ، أي ﻣﺎ ﻧﺴﺒﺘﻪ (75.3 بالمائة) ﻣﻦ إﺟﻤﺎﻟﻲ ﻋدد اﻟﺴﻜﺎن، كما بلغت حصّة الفرد من الدخل الوطني 31 ألف دولار، مع ناتج إجمالي سنوي قدره 242 ملياراً من الدولارات. ثمة قضايا كثيرة تثيرها هذه الإحصائيات بالمقارنة مع أحوال العالم العربي، البائسة، لكن ما تهمنا هنا ناحيتان، أولاهما، أن هذه الدولة المصطنعة، والطارئة على المكان والزمان، استطاعت أن تستقر وأن تتطوّر أكثر مما استطاعت بلدان ومجتمعات العالم العربي. وتبدو المفارقة مؤلمة، ومعبّرة، بخاصّة أن هذا الوضع حصل لمجموعات بشرية جاءت من بلدان شتّى، وتنتمي الى حضارات وإثنيات مختلفة، ولا يجمعها شيء سوى فكرتي الصهيونية واليهودية، في حين أن مجتمعات العالم العربي مازالت تكابد من التفكّك ناهيك عن التوتّرات والتصارعات البينية. طبعاً، ليس ثمة سّر هنا، ولا يعود الأمر لعلاقة إسرائيل بالدول الغربية، على ما يطيب للبعض أن يتحدث، لحجب حال التخلّف والتكلّس في أوضاعنا، بقدر ما يعود لإمساك إسرائيل بأسباب الحداثة، وإدارة المجتمع والدولة بطريقة عصرية، وديمقراطية، وعلى أساس المواطنة الفردية، التي تضمن الحرية والمساواة. أما الناحية الثانية، فتتعلق بدرجة حساب الخسائر البشرية، ذلك أن العدد المذكور يفيد بمصرع 384 إسرائيلياً في العام، وهذا أقل من عدد قتلى حوادث السيارات في إسرائيل. والقصد من ذكر هذه الإحصائية لفت الانتباه إلى ثلاث مسائل، أولاهما، حجم الإنفاق في البلدان العربية، على التسلّح والجيش والأجهزة الأمنية، وحجم العطالة المجتمعية والاقتصادية التي تعشعش في هذه البلدان، بدعوى العسكرة والأمن، ناهيك عن تقييد حياة المواطنين وحرياتهم، وحجب الديمقراطية. أما ثانيتهما، فتتعلق بحجم الخسائر البشرية الباهظة، التي تكّبدتها البلدان العربية، إن في الحروب مع إسرائيل، أو في الحروب والصراعات الأهلية التي نشبت في أكثر من بلد، من الأردن إلى لبنان، على خلفية التداعيات الناجمة عن الصراع العربي - الإسرائيلي، والتي تزيد بأضعاف عن عدد القتلى من الإسرائيليين. تبقى المسألة الثالثة، وهي جد مهمة، فما يلفت الانتباه في الإحصائية المذكورة قلة عدد القتلى الإسرائيليين بنتيجة عمليات المقاومة، فعدد القتلى نتيجة عمليات المقاومة الفلسطينية من المدنيين يبلغ 2493 إسرائيلياً؛ أي 40 إسرائيلياً في العام. وإذا طرحنا عدد القتلى الإسرائيليين (من مدنيين وعسكريين) في الانتفاضة الأولى (1987-1993) ويبلغ 383 إسرائيلياً، والانتفاضة الثانية (2000- 2004) ويبلغ 1060، نستنتج أن عدد القتلى الإسرائيليين بنتيجة عمليات الفصائل الفلسطينية يبلغ حوالي 1000- 1500 إسرائيلي! وهذا يعني أن عدد الإسرائيليين الذين قتلوا خلال الانتفاضتين، أكثر من عدد الذين قتلوا بنتيجة عمليات المقاومة الفلسطينية المسلحة من الخارج، هذا مع العلم أن هذه المقاومة استمرت زهاء عقدين، مع كل الثمن الذي نجم عنها، والحروب الفرعية التي انبثقت منها. وليس القصد مما ذكر التقليل من التضحيات والبطولات التي بذلت في المقاومة، وإنما لفت الانتباه إلى أن ثمة شيئا خطأ ينبغي إدراكه، وإلا بقينا على هذا النحو، نتغنى بالمقاومات، في وقت تزداد فيه إسرائيل استقراراً وازدهاراً، في حين أن اجتماعاتنا ومجتمعاتنا تزداد تفكّكاً وانكساراً