أياً كان ما حدث في اليمن في 11فبراير 2011م ثورة أم أزمة تماشياً مع رياح التغيير التي هبت على المنطقة، فالأهم هو ما انتهت إليه تلك الأحداث والتي جعلت من اليمن دولة نموذجية استطاعت الخروج بأقل الخسائر حين غلّب عقلاؤها الحكمة واستشعروا مسؤولياتهم الوطنية والتاريخية تجاه بلدهم وأبناء شعبهم وبما منع من الانزلاق إلى حرب أهلية لا تبقي ولا تذر، الخاسر الوحيد فيها هو الشعب.. هذه النتيجة المشرفة التي خرج بها اليمن جعلته محل اهتمام وإعجاب العالم بأسره، فسارعت دوله إلى الوقوف بجانبه وتقديم الدعم والمساندة له للتغلب على تداعيات تلك الأحداث وما أفرزته من أزمات متتالية سياسية واقتصادية وأمنية، وتجلى ذلك في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة والتي أكدت حرص أشقائنا في مجلس التعاون الخليجي على أمن اليمن واستقراره ووحدته، ومثلت خارطة طريق على هديها سارت التسوية السياسية مدعومة من مجلس الأمن الدولي بقراريه 2014 و2051.. وها نحن اليوم نعيش أجواء الحوار الوطني الشامل الذي يمثل أهم مفاصل العملية السياسية، والمعول عليه رسم ملامح الدولة اليمنية الجديدة.. وددت من ذلك القول أن ما يجري على الساحة اليمنية يشير إلى أن هناك تغييراً ما قد حدث بالفعل مهما تفاوتت نظرة الناس إلى هذا التغيير وتقييمهم له، فإذا كان هناك من يرون بأن الزمن لا يأتي بالأفضل- حسب القول المأثور- فالثابت أيضاً أن الثورات- إذا ما اعتبرنا أن ما حدث ثورة وليس أزمة-هدفها التغيير إلى الأفضل.. ومهما كان الأمر علينا أن نعترف جميعاً أن اليمن دخلت عهداً جديداً مسؤولية بنائه تتطلب من كافة القوى السياسية والمجتمعية العمل معاً لتجاوز سلبيات الماضي وأخطائه والتجرد من الذات الحزبية والمناطقية وإعلاء المصلحة العليا للوطن فوق كل المصالح الأخرى مهما كانت، ومساندة جهود القيادة السياسية الرامية إلى إحداث التغيير المطلوب للنهوض بالوطن والارتقاء بحياة المواطن المعيشية وبما يكفل له الحياة الحرة الكريمة، بل والرغدة إن أحسنا توظيف ما تمتلكه اليمن من ثروات عديدة زراعية وسمكية وغازية ومعدنية وسياحية وغيرها، ووفرنا المناخات الملائمة للاستثمار، وبمعنى أصح لو أولينا المسألة الاقتصادية الاهتمام اللازم ومنحناها الأولوية.. فقد شغلتنا السياسة وصراعاتها خلال السنوات الماضية إلى الحد الذي جعلنا نتصرف ربما كلياً عن القضايا الأخرى وفي مقدمتها القضية الاقتصادية التي تعد في عالم اليوم هي الأهم بالنسبة للأمم والشعوب، فقد أصبحت الدول تقاس بمعدلات نمو اقتصادها، باعتبار أن الاقتصاد هو المؤشر للتقدم والتطور والازدهار.. واليمن- والحمد لله- تمتلك من مقومات النهوض الاقتصادي الكثير أكان في المجال الزراعي أو السمكي أو في مجال السياحة كما أسلفنا، وما تزال الأرض اليمنية واعدة وغنية بالفرص الاستثمارية المتنوعة وهو ما يؤهلها لتصبح في مصاف الدول القادرة على التنافس والنهوض الاقتصادي.. فليكن توجهنا في المرحلة المقبلة- ونحن نتطلع إلى بناء الدولة اليمنية الجديدة- نحو الاقتصاد، فقد اتخم شعبنا بالسياسة طوال خمسين عاماً أو يزيد ولم يجن من ورائها غير الأزمات والصراعات والمكايدات التي لا تسمن ولا تغني من جوع!!!