قضايا الاقتصاد الوطني ومشكلاته المزمنة والمستحدثة تفعل فعلها في حياة الأفراد وتدخل في تفاصيل حياتهم في هذه المرحلة الانتقالية التي تشهد نقاشات وحوارات على مستوى المجتمع تسبق انعقاد مؤتمر الحوار الوطني المناط به والمعول عليه إخراج اليمن من وضعه الراهن إلى بر الأمان، بحيث تنطوي صفحة المعاناة التي تفرض على مختلف القوى والمكونات السياسية والاجتماعية استغلال الفرصة التاريخية الحالية، لبناء يمن مستقر وآمن وديمقراطي يفضي إلى إحداث تنمية حقيقية وبناء اقتصاد متطور ومزدهر. أهمية الاقتصاد الاهتمام بالعوامل الاقتصادية مدخل أساسي لبناء نظام اجتماعي وسياسي وديمقراطي لما للاقتصاد من تأثير على الحياة السياسية في أي مجتمع؛ بل إن السياسة انعكاس للظروف الاقتصادية، ولن تحدث تنمية اقتصادية إلا بالتحرر من قيود التبعية الاقتصادية والسيطرة على الموارد الوطنية واستغلالها الاستغلال الأمثل وتوجيهها نحو تحقيق الأهداف الكلية للمجتمع وفق الاحتياجات والرغبات المطلوبة وهو ما يتطلب تغييراً في أنماط السلوك والبناء للمجتمع وإعادة صياغة للبنى التحتية بشكل يجعل التقدم والتطور والتوسع أمراً ميسوراً، يرافق هذا تغيير في المفاهيم والقيم المعرقلة لنشاط الحركة الإيجابية في المجتمع في مختلف المستويات من خلال صياغة قوانين تحقق ذلك. العلم أحد القوى الرئيسية المحركة للتقدم الاقتصادي والعلم والتكنولوجيا مصدر قوة يقودان إلى التحول والتحديث والذين يحملون الأفكار الجديدة هم أولئك الذين يشكلون الشريحة الواعية في المجتمع أو المثقفون ويقودون عملية تغيير العلاقات الاجتماعية والسياسية ويتبنون أنماطاً جديدة للسلوك الاجتماعي ولا يتم ذلك بمعزل عن التطور الاقتصادي. عدالة ولقد ساد شعور بالظلم يفرض على القوى السياسية والاجتماعية ومن خلال مؤتمر الحوار الوطني الانطلاق من حقيقة أن العدل والعقل يؤلفان بين الأعداء وليس فقط الخصوم وأن الظلم يفرق بين الإخوة. أولوية والجانب الاقتصادي ينبغي أن يحتل أولوية في مؤتمر الحوار الوطني؛ لأنه سيسهم في تهيئة الأجواء لانطلاق عجلة التنمية وتعزيز الديمقراطية وإحداث التنمية الاجتماعية والسياسية فالتغيير المنشود سيحقق التنمية الشاملة والأهم الآن تحقيق التقاء وتفاهم حول كل القضايا الرئيسية بما فيها قضية التنمية الاقتصادية والتحديات التي تمثلها قضايا المياه والبيئة. الأمن وفي رأي أ. د محمد علي قحطان أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز لابد أن ينصب الاهتمام في مؤتمر الحوار على كل القضايا كي يتحقق الأمن والاستقرار والسلام الاجتماعي في ربوع اليمن حتى يتحقق المقصود في الجانب الاقتصادي؛ لأن أي إهمال لهذا الجانب سيؤدي إلى تكرار الأخطاء التي وقعت فيها ثورة 26 سبتمبر 1962حيث قدمت الدولة الناشئة الجانب السياسي على الاقتصادي؛ لأن الصراع السياسي كان على أشده طيلة ثماني سنوات وصراعات خفية ظلت بعدها عوامل الأمن والاستقرار غير مواتية، إلى جانب أن البداية في بناء الاقتصاد الوطني كانت من الصفر ولم يكن هناك إرث يبنى عليه. شرط ويرى د. قحطان أن النقاش الجاد للجانب الاقتصادي من أهم عوامل التشريع في بناء اليمن الجديد؛ ولأن الاستقرار شرط لتحقيق التنمية الشاملة فلابد من تحقيقه وأن تكون مراجعة شاملة لتجربة السبعينيات والثمانينيات في الشطرين قبل الوحدة مع الأخذ بالاعتبار أن هناك تنمية اقتصادية حصلت في هذه الفترة وتجلت في فترات نوعية لا يغفلها المتتبع للتطور التاريخي في اليمن يلاحظ أن الاستقرار السياسي سيحقق الأرضية الصلبة للتطور الاقتصادي لاسيما وأن اليمن اليوم يمتلك كوادر وطاقات بشرية وتجارب منها إيجابية إلى حد كبير وهذا ما يتوقع أن يستند إليه المتحاورون في مؤتمر الحوار المرتقب وفي المشاريع السياسية للقوى والتنظيمات وهو أيضاً ما لابد ألا يغيب عن بال أحد في مرحلة التهيئة من حيث أن يكون نصب عيون الحكومة أن الشعب اليمني يعاني حالياً فكيف سيدخل المتحاورون إلى المؤتمر دون إحساس واع بأن البطون خاوية! وقف التدهور لكن د. قحطان يعبر بتفاؤل عن إحساسه بوعي النخب وإحساسها بواقع الحال وإيمان المجتمع بضرورة التغيير الشامل مع وجود الاهتمام الدولي بحاجة اليمن للدعم ومبادرة أصدقاء اليمن بتوفيره يأتي في هذا الإطار كما تأتي النتائج الإيجابية لزيارة رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي الخارجية مؤخراً تعبيراً عن مدى الاهتمام الإقليمي والدولي باليمن لمواجهة التدهور ومعالجة الوضع الاقتصادي وتوفير المتطلبات الحالية التي إذا لم تتوفر فسيؤثر سلباً على مجرى الحوار الوطني. القطاع الزراعي المحللون ينتظرون من مؤتمر الحوار الدخول في تفاصيل المشكلة الاقتصادية وأبعادها الاجتماعية، وليس فقط مناقشة طروحات القوى المختلفة والخبراء حول مرتكزات الاقتصاد؛ إذ يرى البعض ضرورة إعادة الاعتبار للقطاع الزراعي والسمكي وشراكة الإنسان ومنظمات المجتمع المدني وبحث دور التعاونيات في تحقيق التنمية الاقتصادية والزراعية خصوصاً وتوفير شروط انطلاق هذه المنظمات في مهامها التنموية. ويؤكد د. قحطان أن هذه الغاية لا تعني فقط الاهتمام النظري في صياغة مواد قانونية؛ وإنما بوضع أسس تمثل حصيلة مراجعة لجملة السياسات المتجذرة بعد حرب صيف 1994م والمتمثلة أساساً ببرنامج الإصلاحات المالية والإدارية والاقتصادية وما صاحب تنفيذها من إخفاقات فلم تأخذ الحكومات بتوصيات البنك الدولي أو لم تراع مضاعفات فلم تعالج الوضع إلى حد معقول وكان التدهور بارزاً من خلال زيادة أعداد العاطلين عن العمل وزيادة مؤشرات الفقر وغياب المناخ الاستثماري والأسباب معروفة في مجملها، وأهمها أن الدستور لم يترجم إلى سياسات تحقق عدالة توزيع الثروة وتسهم في الدفع بحركة التنمية نحو استيعاب قوى جديدة في أنماط من الأنشطة الاقتصادية وخاصة القوى المتعلمة ما جعل عشر السكان يستحوذون على 90 % من الثروة الوطنية و10 % فقط ل90 % من السكان. الاستقرار وبذلك يعتبر تحقيق الاستقرار في اليمن أولوية قصوى تليها أولوية التطور الاقتصادي كمهمة أولى ورئيسية للحكومة القادمة بعد انتخابات عام 2014م وفي مداخلة ل أ.د. أحمد شجاع الدين استاذ علم السكان قال بأن التقارير الصادرة عن منظمات دولية تتوقع ارتفاع عدد سكان اليمن إلى 35 مليونا عام 2025م وإلى 55 مليون نسمة عام 2050م. سكان المدن وتتوقع دراسات أخرى أن يزيد عدد سكان المدن اليمنية خلال العامين القادمين إلى “14مليون نسمة” مع زيادة معدل المواليد فيما الاقتصاد قائم على تقديم الخدمات والتي تشهد بفعل الأزمات تراجعاً ملحوظاً في قطاعات الصحة والتعليم وإشكالية حقيقية في مجال المياه وتدهور الإنتاج الزراعي وتصحر مساحات واسعة من الأراضي الصالحة للزراعة. تراجع الانتاج الزراعي أحمد عبدالملك مغلس “رئيس تحرير صحيفة التعاون” أكد أن التنمية الزراعية أولوية أجمعت حولها منظمات المجتمع المدني التنموية وعلى رأسها الاتحاد التعاوني الزراعي والسمكي لتحقيق الاستقرار الاقتصادي في اليمن؛ لأن 55 % من القوى العاملة تعمل في الزراعة والاصطياد ويربط بهذه الأنشطة 76 % من السكان ويعتبر القطاع الزراعي والسمكي المورد الثاني بعد النفط من حيث إسهامه في الدخل القومي وقد تراجع الإنتاج الزراعي بسبب رفع أسعار النفط والرسوم على مدخلات الإنتاج وبات المزارعون في لحج وتهامة يبيعون أشجار المانجو لمن يستطيع أن يرعاها نتيجة تلف الأشجار جراء ارتفاع كلفة الري. الحوار الوطني يفترض أن يضع حلولا لمختلف القضايا التنموية في البلاد في شكل خطوط عريضة تفضي إلى بناء دولة مسئولة على أبنائها وتحقق أمنها واستقرارها. حقوق العمال ومن الضروري التأكيد على حقوق العمال والمزارعين والصيادين في الحوار حول السياسة الاقتصادية ووضع رؤية لليمن لما بعد 30 50 عاماً ولابد من توافق سياسي حقيقي حول هذا الملف من أجل تحقيق الأمن الغذائي؛ الأمر الذي نتوقع أن تكون له الأهمية رقم واحد ضمن تفاصيل مختلف القضايا التي هي في جوهرها ليست بعيدة عن المشكلة الاقتصادية من فقر وبطالة وتراجع الانتاج الزراعي وهجرة من الريف إلى المدن ومناخ طارد للاستثمار وبالتالي نحن اليوم في مشكلة نريد حلها ويجب أن يدرك المتحاورون أن اليمن حتى ثلاثينيات القرن الماضي كان ينتج ويصدر جزءا من المحاصيل الزراعية واليوم لا ينتج سوى 20 % من احتياجاته ويستورد كل شيء تقريباً ويعتمد على اللحوم المستوردة مثلما يعتمد على البقوليات المستوردة من جمهورية الصين الشعبية ونحن الذين كنا في عهد الدولة الرسولية نصدر الغذاء إلى أوروبا. هجرة إلى المدن كون الاقتصاد اليمني ليس إنتاجياً وتعتمد أسواقه على السلع والبضائع المستوردة من الإبرة إلى الصاروخ ويعاني هزات متتالية من نحو عقدين من الزمان بسبب آثار الأعمال الإرهابية والصراعات، إلى جانب تخلف الإدارة؛ كل ذلك وما عداه لم يسمح بتعدد الخيارات لدى الإنسان اليمني، وأصبحت المدن مغرية لكثير من سكان الريف الذين يهاجرون باستمرار إلى المدن ما أضاف أعباء على مجال الخدمات المختلفة وبطء التحضر. توقعات الدكتور جميل الأثوري رئيس فرع الجامعة الأردنية بتعز يعتبر أن بناء الدولة المدنية في اليمن كأحد أهم النتائج التي ينتظر أن يخرج بها مؤتمر الحوار الوطني الشامل وفي ظل دستور جديد وتطوير للمنظومة القانونية. كل ذلك سيؤدي إلى وضع سياسات وبرامج وممارسة حقيقية لحرية النشاط الاقتصادي وفقاً لقوانين ولوائح متطورة وشروط مناسبة للتعيينات في الوظائف وخاصة المتصلة بإدارة الاقتصاد وإنشاء وتفعيل مراكز الدراسات والمؤسسات العلمية المعنية بدراسة الظواهر والقضايا الاقتصادية واقتراح حلول لمعالجة الإشكاليات. تخطيط المدن ويرى د. جميل أن تخطيط المدن والتنمية والتخطيط الحضري مهمة كبيرة في المرحلة القادمة من أجل توفير عناصر إيجابية وفاعلة تساعد على تشجيع وجذب الاستثمارات المحلية والعربية والأجنبية وهذه الخطوة تعني تخصيص أراض وتخطيطها وتوصيل الخدمات الأساسية إليها كالماء والكهرباء للدفع باتجاه نمو طبيعي للمدن بعيداً عن التشوه والعشوائية، إذا ما واكب تحولات هذه تطبيق الحكم الرشيد وتم الحد من أشكال وصور الفساد كالمحسوبية باعتبارها قاتلة للإبداع وإخلالا بمبدأ تكافؤ الفرص والقدرات. ويرى د. جميل أن إحداث نقطة نوعية في مجال التعليم والتدريب والتأهيل بمستوياته وأنواعه ضمانة لتحقيق تنمية اقتصادية حقيقية، لاسيما التعليم الجامعي والبحث العلمي واعتماد الانتخابات لشغل الوظائف الأكاديمية حتى تستطيع المؤسسات التعليمية الارتقاء بأدائها والقيام بوظائفها. تنمية البحث العلمي الباحثة في مجال الزراعي أنهار عبد الكريم تؤمن بضرورة خروج مؤتمر الحوار الوطني بتوافقات تفعل دور البحث العلمي في كل مجال والعناية بإجراء المسوحات المنتظمة واعتمادها كأولوية من أجل بناء خطط تحقيق التنمية بمفهومها الشامل فالتنمية تعني التقدم من مستوى معين إلى مستوى آخر تمكن المجتمع من صعود سلم التطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ويحقق المجتمع المتكامل الذي ينشده اليمنيون ويتأهبون لصياغة ملامحه في مؤتمر الحوار وهو ما لابد أن يقوم على التوازن والانسجام فلا يمكن قيام نظام اقتصادي حديث بدون نظام سياسي حديث وهذه العملية تتضمن بناء وتنظيم المجتمع بحيث يرتقي التعليم ويفعل دور المرأة في الريف والحضر واعتماد البحث العلمي والاهتمام بالإحصاءات والبيانات عند بناء القرارات وهذا يعني أولاً الاهتمام بالإنسان ذاته وبحقوقه. مصادر المياه ولأن المياه روح الأرض فإن الحوار الوطني معني بمناقشة موارد المياه والبيئة في إطار قضية التنمية الاقتصادية؛ لأنها مسألة جوهرية في حياة الفرد والمجتمع ونتوقع بعد الحوار أن تندفع الدولة بقوة نحو تحقيق الأمن الغذائي وهي مسألة ليست سهلة وتتطلب عملا جبارا خاصة وأن التصحر الذي تعاني منه المساحة الزراعية وشحة المياه وارتفاع أسعار الديزل أثرت سلباً على الإنتاج الزراعي ونقل المنتجات الغذائية وزيادة أسعار مدخلات الإنتاج.