في شهر رمضان المبارك الموافق لشهر يوليو عام 2014م توجهت الى السعودية في مهمة اعلامية ولأداء العمرة وكانت طلائع مكون انصارالله قد وصلت الى مدينة عمران.. وبعد وصولي الى جدة بيومين استقبلني الدكتور الشاعر عبدالعزيز خوجة وزير الاعلام السعودي حينها في مكتبه.. ولأنه كان ينشر قصيدة اسبوعيا ًفي صحيفة 26 سبتمبر ضمن الصفحة الأدبية التي كان يشرف عليها الدكتورعبدالعزيز المقالح اطال الله في عمره فقد سأل اولا بعد الترحيب بي عن احوال صديقيه الدكتور عبدالعزيزالمقالح والأستاذ حسن اللوزي فطمأنته عليهما ثم سألني عن اليمن وأهلها وتوقف كثيرا امام ما يحدث في عمران وكيف استطاع الحوثيون محاصرة معسكر اللواء حميد القشيبي؟. حاولت اشرح له بحسب مالدي من معلومات ردا على سؤاله لكنه حين سمع مني بأن الأمور تسير لصالح مكون انصار الله غير الحديث واكتفى بالدعاء لليمن ليخرج من محنته.. وهنا وبحكم تجربتي مع المسؤولين السعوديين من غير افراد الأسرة المالكة تذكرت انه ممنوع على أي وزير الحديث في السياسة ما لم يكن خاصا بالجهة التي يديرها وفي اطار اختصاصاته.. حينها استأذنت بمغادرة مكتبه وطلبت من سكرتيره الخاص ان يحدد لي موعدا لمقابلة رئيس اللجنة الخاصة المكلف سفير السعودية السابق في اليمن الأستاذ علي الحمدان وذلك بعد اطلاعي على وثيقة سرية رفعها السفير الحمدان الى الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز يؤكد فيها ان المعلومات التي ترفع عن الحوثيين من قبل خصومهم الى المملكة مبالغ فيها وانهم مكون يمني زيدي وليس تابعين لايران حسب ادعاءات البعض وكانت هذه الوثيقة سبب اقالة السفير الحمدان وتعيين الملحق العسكري السعودي بالسفارة بديلا عنه.. وكان لي ما اردت فقد توجهت الى الرياض وذهبت لمقابلة السفير علي الحمدان في اللجنة الخاصة مصطحبا معي الشاعر اليمني فيصل العواضي الذي يشرف على الملحق الثقافي في جريدة:الجزيرة السعودية.. وكانت اولى العقبات التي واجهتنا تتمثل في الاجراءات المعقدة جدا عندالدخول الى اللجنة الخاصة فقد ظللنا منتظرين فترة طويلة حتى سلمونا بطائق الدخول التي تحمل صورنا وسحبوا منا التلفونات والجوازات والشنطة الصغيرة التي كنت احمل فيها اوراقي وهذا مالم يحدث معي في أي بلد زرته لا اوروبي ولا عربي.. ولم تكن تحدث مثل هذه الاجراءات حين كنت اقابل الأمراء لمحاورتهم لاسيما وزير الداخلية الأسبق الأمير نايف بن عبدالعزيز. استقبلنا السفير علي الحمدان في مكتبه ودار بيننا وبينه حديث طويل حول ماتشهده اليمن من احداث وتحديدا مايجري في عمران التي كانت على وشك السقوط في ايدي انصارالله وقلنا له بالحرف الواحد بأن المعادلة قد تغيرت ويجب على السعودية ان تغير سياستها ازاء اليمن وتتعامل مع قوى جديدة برزت على الساحة الوطنية ولاتراهن مطلقا على بيت الأحمر وكان السفير الحمدان يسجل ملاحظاتنا.. وكنت قد حضرت له مجموعة من الأسئلة لاجراء مقابلة صحفية معه لصحيفة 26 سبتمبر لكنه طلب مني تأجيلها على ان يتواصل معي ليحدد لي موعدا آخر وبينما كنت منتظر اتصال منه تسارعت الأحداث في عمران وعلمنا بسقوط المعسكر المشهور في ايدي انصار الله ومقتل قائده اللواء حميد القشيبي فنزل هذا الخبر نزول الصاعقة على المسؤولين السعوديين وخاصة اولئك العلماء الذين كانوا يحرضوا على اثارة الفتنة في اليمن وضرب ابناء اليمن ببعضهم البعض.. ولأن البعض كانوا غير مصدقين فقد كانوا يتواصلوا معي للتأكد.. ولم اكن اعرف ان للجنرال علي محسن مكانة كبيرة عندهم الا في ذلك الوقت حيث الجميع كانوا يحملونه مسؤولية الفشل ويذكرونه بالاسم سواء كانوا مسؤولين او علماء او اعلاميين.. وعندما سألت بعض المطلعين على خفايا الأمور عن سراهتماهم بالجنرال علي محسن قالوا بالحرف الواحد:انه رجل السعودية القوي والحامي للجماعات المتشددة وذكروا حزب التجمع اليمني للاصلاح وانه وعدهم بأن تسير الأمور في الاتجاه الذي يخدم الأجندة السعودية في اليمن ولذلك فقد ضغطوا عليه بأن يتولى الأمر بنفسه داخل العاصمة صنعاء ويعمل على هزيمة الحوثيين الذين استطاع قائدهم السيد عبدالملك الحوثي التقاط اللحظة التاريخية بذكاء مستغلا قرار حكومة باسندوة المتعلق بزيادة سعر الوقود او ماعرف بالجرعة ليجعل الجماهير اليمنية تلتف حول مكون انصار الله مطالبا بالعودة عن قرار الجرعة او اسقاط الحكومة .. لكن الجنرال علي محسن وجد انه لايستطيع ان يحقق هدفه ويرضي السعودية مالم تمضي حكومة باسندوة في مماطلتها وعدم التراجع حتى تتقدم الجماهيرالى داخل العاصمة لتعتصم في ميادينها ومن ثم تشتيتهم لاضعاف قوتهم وهذا ماحدث فعلا.. فقد اعتقد الجنرال علي محسن الذي لبس بزته العسكرية وتوجه الى مقر قيادة الفرقة الأولى مدرع ليقود بنفسه المعركة ضد اللجان الشعبية الحامية للجماهير المعتصمة داخل العاصمة صنعاء بأنه قادر ان يحقق نصرا كبيرا ويقضي على مكون انصار الله بعد فشل الثلاث المحاولات السابقة في كتاف وحاشد وعمران.. لكن شاءت الأقدار ان تجري الرياح عكس ما كان يخطط له الجنرال ليفاجأ الشعب اليمني والعالم بهروبه متخفيا يوم 21 سبتمبر 2015 م ليظهر بعد ذلك في السعودية وقد تضاربت الأنباء حول عملية هروبه وتسهيلها وليتم التوقيع في نفس اليوم بل وبعد لحظات من اعلان هروب الجنرال علي محسن على اتفاقية السلم والشراكة الوطنية التي جاء بها مكون انصار الله تحت رعاية الأممالمتحدة عبر مندوبها الى اليمن حينها جمال بن عمروعلى اساس اتفاق السلم والشراكة الوطنية تم تشكيل حكومة خالد بحاح بمشاركة مختلف القوى السياسية باستثناء مكون انصار الله الذي عمل حزب التجمع اليمني للاصلاح على عدم مشاركته في الحكومة تنفيذا للرغبة السعودية .. ولأن مكون انصار الله قد دخل صنعاء فاتحا ومجبرا يوم 21 سبتمبر 2015م فقد حاول الرئيس حينها عبدربه منصور هادي وحكومة باسندوة التي كان يسيرها حزب الاصلاح والشيخ حميد الأحمر افشاله حيث تم سحب قوات الأمن من الشوارع والمصالح الحكومية بهدف خلق الفوضى وتحميله المسؤولية فحدث مالم يتوقعه احد حيث استطاع مكون انصار الله ان يسد الفراغ الأمني عبر اللجان الشعبية وابناء القبائل فسلطوا عليه عناصر تنظيم القاعدة وداعش لتقوم بعمليات انتحارية واغتيالات في مختلف المدن اليمنية بهدف اقلاق السكينة والأمن ولكنه نجح في التصدي لهذه العناصر الارهابية وحصرها في مناطق معينة.. وعليه لم يكن امام السعودية من خيار سوى الايعاز الى خالد بحاح رئيس الحكومة وعبدربه هادي رئيس الجمهورية لتقديم استقالتيهما لاحداث فراغ دستوري وفي نفس الوقت افشال الحوار بين القوى السياسية في فندق موفمبيك والذي كان على وشك الوصول الى اتفاق يخرج اليمن من أزمتها.. ومن سوء الطالع لعبدربه وبحاح انهما قدما استقالتيهما قبل ساعات من وفاة الملك السعودي السابق عبدالله بن عبدالعزيز فحرما حتى من المشاركة في جنازته لأنه تم فرض عليهما الاقامة الجبرية وقد ساعد ذلك على تأخير تنفيذ المخطط لتدمير اليمن المتفق عليه بين السعودية وعبدربه منصور هادي والذي مهد له رئيس الحكومة المستقيل خالد بحاح بالاتفاق مع قادة حزب التجمع اليمني للاصلاح حتى يرتب الملك السعودي الجديد أموره.. وهو ماسنتحدث عنه في الجزء الثالث عشر.